
بإعلان إيريك زيمور، رسميا، عن ترشحه للانتخابات الرئاسية الفرنسية المزمع تنظيمها سنة 2022، صار لليمين المتطرف الفرنسي مرشحان اثنان للرئاسيات: الصحافي الفرنسي المثير للجدل، صاحب كتاب "فرنسا لم تقل كلمتها الأخيرة"، ومارين لوبان، نجلة جون ماري لوبان، مؤسس حزب الجبهة الوطنية.
موجة اليمين المتطرف غمرت بلدان أوروبية أخرى قبل فرنسا وخصوصا في الجانب الشرقي من القارة العجوز كما في المجر حيث يرأس البلاد اليميني المتطرف فيكتور أوربان.
وإذا المد اليميني يجتاح أوروبا بلدا بعد آخر، فقد بلغ أوجه في الضفة الأخرى للمحيط الأطلسي بوصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لولاية واحدة. أما جنوبا، وبالتحديد في الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، فإن الوضع يبدو مختلفا تماما حيث لا زالت انشغالات أخرى تستحوذ على اهتمام الساسة والمجتمعات، فحتى في الحالات التي يتم فيها تناول موضوع الهوية، فإن هذا التناول يتم في أغلب الأحيان كهم ذاتي دون أن يتطور إلى خطاب كراهية للآخر أو للمختلف.
ففي المغرب على سبيل المثال، أُجريت في ثامن شتنبر الماضي انتخابات تشريعية ومحلية أنهت عقدا من تسيد إسلاميي حزب العدالة والتنمية للمشهد السياسي. وقد شهدت هذه الانتخابات، على غرار سابقاتها، تنافس أحزاب من كل ألوان الطيف: إسلاميون محافظون ويساريون ويمينيون….
وإذا كان المشهد السياسي المغربي لا يتضمن أصلا تيارات يمينية متطرفة، فإنه من المهم تسجيل أن الحملة الانتخابية لم تشهد بروز خطاب يميني متطرف رغم المزايدات التي شهدتها حول العديد من الملفات بما في ذلك قضية الهوية.
فهل هذا دليل على أن المغرب اكتسب مناعة طبيعية ضد بروز أحزاب أو تيارات من هذا التوجه؟ وهل يمكن أصلا الحديث عن حصانة في مجال متقلب كالصراع السياسي؟
الصحافي والمحلل السياسي، يونس دافقير، يرى أن للسؤال وجاهته، ويُؤكد، في مقابلة مع مجلة BAB، على أنه "في أوروبا والعالم الغربي عموما، تعكس أحزاب اليمين المتطرف انحرافا عن النهج الديمقراطي. تُشكل القومية المتطرفة وكراهية الأجانب والسلطوية المفرطة أعظم التهديدات للصرح الديمقراطي الغربي". ويعتبر أن اليمين الراديكالي تعبير سياسي لما قبل الديمقراطية.
وهنا يُطرح التساؤل التالي: في ظل التطورات والتحولات المتلاحقة، ما الذي قد يمنع يوما ما ظهور أحزاب أو تيارات سياسية بالمغرب قد تتخذ من أقصى اليمين تموقعا سياسيا لها؟.
بحسب الخبراء والمحللين الذين اتصلت بهم مجلة BAB، فإن الحياة الحزبية المغربية محصنة، حتى إشعار آخر…
موانع قانونية وسياسية
يشكل الإطار القانوني المغربي أول حصن ضد أحزاب اليمين الراديكالي. حيث تنص المادة 7 من دستور سنة 2011، على أنه "لا يجوز أن تؤسس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، وبصفة عامة، على أي أساس من التمييز أو المخالفة لحقوق الإنسان".
وقد تضمنت المادة الرابعة من القانون التنظيمي رقم 11-29 الخاص بالأحزاب السياسية (22 أكتوبر 2011) نفس الأحكام، حيث نصت على أنه "يعتبر باطلا كل تأسيس لحزب سياسي يرتكز على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، أو بصفة عامة على أي أساس من التمييز أو المخالفة لحقوق الإنسان.
يعتبر أيضا باطلا كل تأسيس لحزب سياسي يهدف إلى المساس بالدين الإسلامي أو بالنظام الملكي أو المبادئ الدستورية أو الأسس الديمقراطية أو الوحدة الوطنية أو الترابية للمملكة".
وبالإضافة إلى ما نص عليه الإطار القانوني، يعتبر محمد زين الدين، أستاذ القانون الدستوري بكلية العلوم القانونية بالمحمدية، أن "التفاف كل مكونات المشهد السياسي الوطني حول المشروع الديمقراطي والحداثي يعني بالضرورة رفضها للتوجهات المبالغة في الرجعية والمحافظة والمفرطة في القومية والوطنية".
مكونات وروافد مختلفة
إذا كانت إيديولوجية أحزاب اليمين المتطرف تنبني بالضرورة على الانطواء على الذات ونبذ الآخر، "فمن هذا "الآخر/الأجنبي" الذي قد يكره المغربي؟"، يتساءل السيد دافقير، في إشارة إلى "تلاحم وتنوع مقومات الهوية الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية - الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية"، تماشيا مع ما نص عليه دستور البلاد.
ويُؤكد السيد دافقير: "نحن مغاربة، والآخر هو نحن أيضا. لطالما تعايشت أعراق وأجناس مختلفة في كنف الوحدة الوطنية التي تميز المملكة عن بلدان عدة. المغرب المنفتح على الآخر مزيج من المكونات، وهي أحد عوامل القوة التي يرتكز عليها المغرب"، مشددا على أن "مؤسسة إمارة المؤمنين والإسلام الوسطي المعتدل و الثوابت الدينية للمملكة تعد أيضا حصنا منيعا ضد التطرف اليميني".
ويعتبر السيد زين الدين، من جهته، أن "غالبية مكونات المشهد الحزبي الوطني تتخذ بالضرورة من الوسط موقعا سياسيا. برامجها وأفكارها ومواقفها تستند على نهج معتدل ومتوازن"، مشيرا، كمثال حي على هذا التوجه، إلى أن العديد من الأحزاب السياسية المغربية تضم في صفوفها مناضلين يهود ومسيحيين، دون أدنى مشكل آو رفض أو تحفظ".
لا قطيعة سياسية ولا أزمة دينية
في معرض تفسيره لأسباب غياب اليمين المتطرف عن المشهد السياسي الوطني، أشار الباحث في العلوم الاجتماعية رشيد عشعاشي من جانبه إلى سياق ظهور اليمين الراديكالي في الغرب، والذي يرى أنه يختلف تمامًا عن السياق المغربي.
"في العالم الغربي، شكلت الحركات الرجعية، بداية، البذرة الأولى لما صار يصطلح عليه باليمين المتطرف، وهي الحركات التي تسعى إلى استرداد الماضي، النظام الملكي مثلا في فرنسا. ففي ثنايا الموالين للنظام السابق، سيتشكل جوهر ما أصبح اليوم اليمين المتطرف في فرنسا".
أما النوع الثاني من اليمين المتطرف، يضيف الباحث، وهو أيضًا محلل سياسي بإذاعة "لوكس راديو"، فقد نشأ على خلفية انهيار المعتقدات الدينية. فقد نتجت عن التحول الديموغرافي أزمة عميقة، وتمت محاولة ملء الفراغ الروحي بنوع جديد من "التدين" يتمحور حول "الأمة". فقد "صارت 'الأمة' دينا جديدا".
ويوضح السيد عشعاشي، في هذا الصدد، أنه "في المغرب، لم نشهد انقساما سياسيا، مثلما هو الحال في فرنسا، على سبيل المثال، ولا تشرذما للنظام من شأنه أن يؤدي إلى ارتباط الناس عاطفيًا بنظام بائد. ولم نشهد أيضا انهيارا للمعتقدات الدينية بالرغم من أزمة التدين التي يشهدها المجتمع". كل هذه عوامل حاسمة حالت، حسب السيد عشعاشي، دون ظهور أحزاب أو توجهات سياسية يمينية متطرفة.
لا يمين راديكالي... حتى إشعار آخر
بالرغم من كل ما سبق، فإنه لا شيء ثابتا في حقل السياسة. صحيح أنه لا يوجد بالمملكة حزب أو حركة تعرض فكرا يمينيا راديكاليا، ولكن المستقبل يظل مفتوحا على هذا الاحتمال ولو بنسب ضئيلة جدا.
وفي هذا الصدد يرى رشيد عشعاشي، أن "هناك خطابات وشعارات يمينية متطرفة بالمغرب، على شبكات التواصل الاجتماعي أساسا، لكنها لا ترقى إلى أيديولوجية حقيقية"، مشددا على أن هناك احتمال بأن يتبنى تنظيم سياسي ما أو حركة لهذا الفكر، (الأمر يرتبط) في جميع الأحوال بالتطورات التي يشهدها المجتمع".
من جهته، يُشدد الصحافي يونس دافقير على وجود "تعبيرات عنصرية في مجتمعنا لا يُمكن إنكارها، خاصة تجاه المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء. إلا أن هذه التعبيرات لم تستطع بعد أن تتخذ شكل تيار أو حركة سياسية".
كما دعا الصحافي إلى الحذر في استعمال شعار "تمغرابيت"، والذي صار تداوله واسعا في المشهد السياسي المغربي"، مشددا على أن "إبراز وتقوية الشعور بالانتماء للوطن وتعبئة الهمم لا يجب أن يصل إلى حد التعصب أو التطرف".
هذه الدعوة للحذر يشاطرها أستاذ القانون الدستوري، محمد زين الدين، الذي اعتبر "ظهور تيارات أو حركات مجتمعية تسنتد على قومية مفرطة وعلى الرجعية أو نبذ الآخر، من عدمه، تحدده بالأساس النقاشات التي ستُفرض على المجتمع".
بالفعل، ففي ظل الجاذبية المتنامية للمغرب والتي جعلت منه بلد استقبال للمهاجرين، قد يُطرح التساؤل مستقبلا حول مدى اندماجهم في المجتمع واحترامهم للهوية المغربية… عندئذ، يُضيف السيد زين الدين، قد يصير هنالك صدى أكبر وأقوى في المغرب لما يقع في الضفة الأخرى للمتوسط.