تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

هل المغرب محصن بالطبيعة ضد فكر اليمين المتطرف؟

Par
‬محمد‭ ‬أصواب‭
مرشح اليمين المتطرف الرئاسيات الفرنسية، إريك زيمور © ومع/إبا
مرشح اليمين المتطرف الرئاسيات الفرنسية، إريك زيمور © ومع/إبا
اليمين‭ ‬المتطرف،‭ ‬القومية‭ ‬المفرطة،‭ ‬الشوفينية،‭ ‬كلها‭ ‬مفاهيم‭ ‬ومصطلحات‭ ‬تبدو‭ ‬غريبة‭ ‬على‭ ‬القاموس‭ ‬السياسي‭ ‬المغربي‭ ‬وبعيدة‭ ‬عن‭ ‬انشغالات‭ ‬الساسة‭ ‬والمجتمع،‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يتحدث‭ ‬عنها‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬التساؤل‭ ‬يظل‭ ‬مشروعا‭ ‬حول‭ ‬مدى‭ ‬مناعة‭ ‬المشهد‭ ‬المغربي‭ ‬ضد‭ ‬ظهور‭ ‬توجهات‭ ‬يمينية‭ ‬متطرفة‭.‬

بإعلان‭ ‬إيريك‭ ‬زيمور،‭ ‬رسميا،‭ ‬عن‭ ‬ترشحه‭ ‬للانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬الفرنسية‭ ‬المزمع‭ ‬تنظيمها‭ ‬سنة‭ ‬2022،‭ ‬صار‭ ‬لليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬الفرنسي‭ ‬مرشحان‭ ‬اثنان‭ ‬للرئاسيات‭:‬‭ ‬الصحافي‭ ‬الفرنسي‭ ‬المثير‭ ‬للجدل،‭ ‬صاحب‭ ‬كتاب‭ "‬فرنسا‭ ‬لم‭ ‬تقل‭ ‬كلمتها‭ ‬الأخيرة‭"‬،‭ ‬ومارين‭ ‬لوبان،‭ ‬نجلة‭ ‬جون‭ ‬ماري‭ ‬لوبان،‭ ‬مؤسس‭ ‬حزب‭ ‬الجبهة‭ ‬الوطنية‭.‬

موجة‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬غمرت‭ ‬بلدان‭ ‬أوروبية‭ ‬أخرى‭ ‬قبل‭ ‬فرنسا‭ ‬وخصوصا‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الشرقي‭ ‬من‭ ‬القارة‭ ‬العجوز‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬المجر‭ ‬حيث‭ ‬يرأس‭ ‬البلاد‭ ‬اليميني‭ ‬المتطرف‭ ‬فيكتور‭ ‬أوربان‭.‬

وإذا‭ ‬المد‭ ‬اليميني‭ ‬يجتاح‭ ‬أوروبا‭ ‬بلدا‭ ‬بعد‭ ‬آخر،‭ ‬فقد‭ ‬بلغ‭ ‬أوجه‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الأخرى‭ ‬للمحيط‭ ‬الأطلسي‭ ‬بوصول‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬لولاية‭ ‬واحدة‭. ‬أما‭ ‬جنوبا،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الجنوبية‭ ‬للبحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط،‭ ‬فإن‭ ‬الوضع‭ ‬يبدو‭ ‬مختلفا‭ ‬تماما‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬زالت‭ ‬انشغالات‭ ‬أخرى‭ ‬تستحوذ‭ ‬على‭ ‬اهتمام‭ ‬الساسة‭ ‬والمجتمعات،‭ ‬فحتى‭ ‬في‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬تناول‭ ‬موضوع‭ ‬الهوية،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬التناول‭ ‬يتم‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان‭ ‬كهم‭ ‬ذاتي‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتطور‭ ‬إلى‭ ‬خطاب‭ ‬كراهية‭ ‬للآخر‭ ‬أو‭ ‬للمختلف‭.‬

ففي‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬أُجريت‭ ‬في‭ ‬ثامن‭ ‬شتنبر‭ ‬الماضي‭ ‬انتخابات‭ ‬تشريعية‭ ‬ومحلية‭ ‬أنهت‭ ‬عقدا‭ ‬من‭ ‬تسيد‭ ‬إسلاميي‭ ‬حزب‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية‭ ‬للمشهد‭ ‬السياسي‭. ‬وقد‭ ‬شهدت‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬سابقاتها،‭ ‬تنافس‭ ‬أحزاب‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ألوان‭ ‬الطيف‭: ‬إسلاميون‭ ‬محافظون‭ ‬ويساريون‭ ‬ويمينيون‮…‬‭. ‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬المغربي‭ ‬لا‭ ‬يتضمن‭ ‬أصلا‭ ‬تيارات‭ ‬يمينية‭ ‬متطرفة،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬تسجيل‭ ‬أن‭ ‬الحملة‭ ‬الانتخابية‭ ‬لم‭ ‬تشهد‭ ‬بروز‭ ‬خطاب‭ ‬يميني‭ ‬متطرف‭ ‬رغم‭ ‬المزايدات‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬حول‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الملفات‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬قضية‭ ‬الهوية‭.‬

فهل‭ ‬هذا‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬اكتسب‭ ‬مناعة‭ ‬طبيعية‭ ‬ضد‭ ‬بروز‭ ‬أحزاب‭ ‬أو‭ ‬تيارات‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التوجه؟‭ ‬وهل‭ ‬يمكن‭ ‬أصلا‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬حصانة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬متقلب‭ ‬كالصراع‭ ‬السياسي؟

الصحافي‭ ‬والمحلل‭ ‬السياسي،‭ ‬يونس‭ ‬دافقير،‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬للسؤال‭ ‬وجاهته،‭ ‬ويُؤكد،‭ ‬في‭ ‬مقابلة‭ ‬مع‭ ‬مجلة‭ ‬BAB،‭ ‬على‭ ‬أنه‭ "‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬والعالم‭ ‬الغربي‭ ‬عموما،‭ ‬تعكس‭ ‬أحزاب‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬انحرافا‭ ‬عن‭ ‬النهج‭ ‬الديمقراطي‭. ‬تُشكل‭ ‬القومية‭ ‬المتطرفة‭ ‬وكراهية‭ ‬الأجانب‭ ‬والسلطوية‭ ‬المفرطة‭ ‬أعظم‭ ‬التهديدات‭ ‬للصرح‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الغربي‭". ‬ويعتبر‭ ‬أن‭ ‬اليمين‭ ‬الراديكالي‭ ‬تعبير‭ ‬سياسي‭ ‬لما‭ ‬قبل‭ ‬الديمقراطية‭.‬‭ ‬

وهنا‭ ‬يُطرح‭ ‬التساؤل‭ ‬التالي‭: ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التطورات‭ ‬والتحولات‭ ‬المتلاحقة،‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يمنع‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬ظهور‭ ‬أحزاب‭ ‬أو‭ ‬تيارات‭ ‬سياسية‭ ‬بالمغرب‭ ‬قد‭ ‬تتخذ‭ ‬من‭ ‬أقصى‭ ‬اليمين‭ ‬تموقعا‭ ‬سياسيا‭ ‬لها؟‭.‬

بحسب‭ ‬الخبراء‭ ‬والمحللين‭ ‬الذين‭ ‬اتصلت‭ ‬بهم‭ ‬مجلة‭ ‬BAB،‭ ‬فإن‭ ‬الحياة‭ ‬الحزبية‭ ‬المغربية‭ ‬محصنة،‭ ‬حتى‭ ‬إشعار‭ ‬آخر‮…‬

 

موانع‭ ‬قانونية‭ ‬وسياسية

 

يشكل‭ ‬الإطار‭ ‬القانوني‭ ‬المغربي‭ ‬أول‭ ‬حصن‭ ‬ضد‭ ‬أحزاب‭ ‬اليمين‭ ‬الراديكالي‭. ‬حيث‭ ‬تنص‭ ‬المادة‭ ‬7‭ ‬من‭ ‬دستور‭ ‬سنة‭ ‬2011،‭ ‬على‭ ‬أنه‭ "‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬أن‭ ‬تؤسس‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬ديني‭ ‬أو‭ ‬لغوي‭ ‬أو‭ ‬عرقي‭ ‬أو‭ ‬جهوي،‭ ‬وبصفة‭ ‬عامة،‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬أساس‭ ‬من‭ ‬التمييز‭ ‬أو‭ ‬المخالفة‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭". ‬

وقد‭ ‬تضمنت‭ ‬المادة‭ ‬الرابعة‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬التنظيمي‭ ‬رقم‭ ‬11‭-‬29‭ ‬الخاص‭ ‬بالأحزاب‭ ‬السياسية‭ (‬22‭ ‬أكتوبر‭ ‬2011‭) ‬نفس‭ ‬الأحكام،‭ ‬حيث‭ ‬نصت‭ ‬على‭ ‬أنه‭ "‬يعتبر‭ ‬باطلا‭ ‬كل‭ ‬تأسيس‭ ‬لحزب‭ ‬سياسي‭ ‬يرتكز‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬ديني‭ ‬أو‭ ‬لغوي‭ ‬أو‭ ‬عرقي‭ ‬أو‭ ‬جهوي،‭ ‬أو‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬أساس‭ ‬من‭ ‬التمييز‭ ‬أو‭ ‬المخالفة‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

يعتبر‭ ‬أيضا‭ ‬باطلا‭ ‬كل‭ ‬تأسيس‭ ‬لحزب‭ ‬سياسي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬المساس‭ ‬بالدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬أو‭ ‬بالنظام‭ ‬الملكي‭ ‬أو‭ ‬المبادئ‭ ‬الدستورية‭ ‬أو‭ ‬الأسس‭ ‬الديمقراطية‭ ‬أو‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬أو‭ ‬الترابية‭ ‬للمملكة‭".‬

وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬نص‭ ‬عليه‭ ‬الإطار‭ ‬القانوني،‭ ‬يعتبر‭ ‬محمد‭ ‬زين‭ ‬الدين،‭ ‬أستاذ‭ ‬القانون‭ ‬الدستوري‭ ‬بكلية‭ ‬العلوم‭ ‬القانونية‭ ‬بالمحمدية،‭ ‬أن‭ "‬التفاف‭ ‬كل‭ ‬مكونات‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬الوطني‭ ‬حول‭ ‬المشروع‭ ‬الديمقراطي‭ ‬والحداثي‭ ‬يعني‭ ‬بالضرورة‭ ‬رفضها‭ ‬للتوجهات‭ ‬المبالغة‭ ‬في‭ ‬الرجعية‭ ‬والمحافظة‭ ‬والمفرطة‭ ‬في‭ ‬القومية‭ ‬والوطنية‭". ‬

 

مكونات‭ ‬وروافد‭ ‬مختلفة

 

إذا‭ ‬كانت‭ ‬إيديولوجية‭ ‬أحزاب‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬تنبني‭ ‬بالضرورة‭ ‬على‭ ‬الانطواء‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬ونبذ‭ ‬الآخر،‭ "‬فمن‭ ‬هذا‭ "‬الآخر‭/‬الأجنبي‭" ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يكره‭ ‬المغربي؟‭"‬،‭ ‬يتساءل‭ ‬السيد‭ ‬دافقير،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ "‬تلاحم‭ ‬وتنوع‭ ‬مقومات‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية،‭ ‬الموحدة‭ ‬بانصهار‭ ‬كل‭ ‬مكوناتها،‭ ‬العربية‭ - ‬الإسلامية،‭ ‬والأمازيغية،‭ ‬والصحراوية‭ ‬الحسانية،‭ ‬والغنية‭ ‬بروافدها‭ ‬الإفريقية‭ ‬والأندلسية‭ ‬والعبرية‭ ‬والمتوسطية‭"‬،‭ ‬تماشيا‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬نص‭ ‬عليه‭ ‬دستور‭ ‬البلاد‭. ‬

ويُؤكد‭ ‬السيد‭ ‬دافقير‭: "‬نحن‭ ‬مغاربة،‭ ‬والآخر‭ ‬هو‭ ‬نحن‭ ‬أيضا‭. ‬لطالما‭ ‬تعايشت‭ ‬أعراق‭ ‬وأجناس‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬تميز‭ ‬المملكة‭ ‬عن‭ ‬بلدان‭ ‬عدة‭. ‬المغرب‭ ‬المنفتح‭ ‬على‭ ‬الآخر‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ ‬المكونات،‭ ‬وهي‭ ‬أحد‭ ‬عوامل‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬يرتكز‭ ‬عليها‭ ‬المغرب‭"‬،‭ ‬مشددا‭ ‬على‭ ‬أن‭ "‬مؤسسة‭ ‬إمارة‭ ‬المؤمنين‭ ‬والإسلام‭ ‬الوسطي‭ ‬المعتدل‭ ‬و‭ ‬الثوابت‭ ‬الدينية‭ ‬للمملكة‭ ‬تعد‭ ‬أيضا‭ ‬حصنا‭ ‬منيعا‭ ‬ضد‭ ‬التطرف‭ ‬اليميني‭".‬

ويعتبر‭ ‬السيد‭ ‬زين‭ ‬الدين،‭ ‬من‭ ‬جهته،‭ ‬أن‭ "‬غالبية‭ ‬مكونات‭ ‬المشهد‭ ‬الحزبي‭ ‬الوطني‭ ‬تتخذ‭ ‬بالضرورة‭ ‬من‭ ‬الوسط‭ ‬موقعا‭ ‬سياسيا‭. ‬برامجها‭ ‬وأفكارها‭ ‬ومواقفها‭ ‬تستند‭ ‬على‭ ‬نهج‭ ‬معتدل‭ ‬ومتوازن‭"‬،‭ ‬مشيرا،‭ ‬كمثال‭ ‬حي‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التوجه،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬المغربية‭ ‬تضم‭ ‬في‭ ‬صفوفها‭ ‬مناضلين‭ ‬يهود‭ ‬ومسيحيين،‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬مشكل‭ ‬آو‭ ‬رفض‭ ‬أو‭ ‬تحفظ‭".‬

 

لا‭ ‬قطيعة‭ ‬سياسية‭ ‬ولا‭ ‬أزمة‭ ‬دينية

 

في‭ ‬معرض‭ ‬تفسيره‭ ‬لأسباب‭ ‬غياب‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬عن‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬الوطني،‭ ‬أشار‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬رشيد‭ ‬عشعاشي‭ ‬من‭ ‬جانبه‭ ‬إلى‭ ‬سياق‭ ‬ظهور‭ ‬اليمين‭ ‬الراديكالي‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬والذي‭ ‬يرى‭ ‬أنه‭ ‬يختلف‭ ‬تمامًا‭ ‬عن‭ ‬السياق‭ ‬المغربي‭.‬

‭"‬في‭ ‬العالم‭ ‬الغربي،‭ ‬شكلت‭ ‬الحركات‭ ‬الرجعية،‭ ‬بداية،‭ ‬البذرة‭ ‬الأولى‭ ‬لما‭ ‬صار‭ ‬يصطلح‭ ‬عليه‭ ‬باليمين‭ ‬المتطرف،‭ ‬وهي‭ ‬الحركات‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬استرداد‭ ‬الماضي،‭ ‬النظام‭ ‬الملكي‭ ‬مثلا‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭. ‬ففي‭ ‬ثنايا‭ ‬الموالين‭ ‬للنظام‭ ‬السابق،‭ ‬سيتشكل‭ ‬جوهر‭ ‬ما‭ ‬أصبح‭ ‬اليوم‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭".‬

أما‭ ‬النوع‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف،‭ ‬يضيف‭ ‬الباحث،‭ ‬وهو‭ ‬أيضًا‭ ‬محلل‭ ‬سياسي‭ ‬بإذاعة‭ "‬لوكس‭ ‬راديو‭"‬،‭ ‬فقد‭ ‬نشأ‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬انهيار‭ ‬المعتقدات‭ ‬الدينية‭. ‬فقد‭ ‬نتجت‭ ‬عن‭ ‬التحول‭ ‬الديموغرافي‭ ‬أزمة‭ ‬عميقة،‭ ‬وتمت‭ ‬محاولة‭ ‬ملء‭ ‬الفراغ‭ ‬الروحي‭ ‬بنوع‭ ‬جديد‭ ‬من‭ "‬التدين‭" ‬يتمحور‭ ‬حول‭ "‬الأمة‭". ‬فقد‭ "‬صارت‭ '‬الأمة‭' ‬دينا‭ ‬جديدا‭".‬

ويوضح‭ ‬السيد‭ ‬عشعاشي،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬أنه‭ "‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬لم‭ ‬نشهد‭ ‬انقساما‭ ‬سياسيا،‭ ‬مثلما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬ولا‭ ‬تشرذما‭ ‬للنظام‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ارتباط‭ ‬الناس‭ ‬عاطفيًا‭ ‬بنظام‭ ‬بائد‭. ‬ولم‭ ‬نشهد‭ ‬أيضا‭ ‬انهيارا‭ ‬للمعتقدات‭ ‬الدينية‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬التدين‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬المجتمع‭". ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬عوامل‭ ‬حاسمة‭ ‬حالت،‭ ‬حسب‭ ‬السيد‭ ‬عشعاشي،‭ ‬دون‭ ‬ظهور‭ ‬أحزاب‭ ‬أو‭ ‬توجهات‭ ‬سياسية‭ ‬يمينية‭ ‬متطرفة‭. ‬

 

لا‭ ‬يمين‭ ‬راديكالي‭... ‬حتى‭ ‬إشعار‭ ‬آخر

 

بالرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬ثابتا‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬السياسة‭. ‬صحيح‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬بالمملكة‭ ‬حزب‭ ‬أو‭ ‬حركة‭ ‬تعرض‭ ‬فكرا‭ ‬يمينيا‭ ‬راديكاليا،‭ ‬ولكن‭ ‬المستقبل‭ ‬يظل‭ ‬مفتوحا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الاحتمال‭ ‬ولو‭ ‬بنسب‭ ‬ضئيلة‭ ‬جدا‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬يرى‭ ‬رشيد‭ ‬عشعاشي،‭ ‬أن‭ "‬هناك‭ ‬خطابات‭ ‬وشعارات‭ ‬يمينية‭ ‬متطرفة‭ ‬بالمغرب،‭ ‬على‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أساسا،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬ترقى‭ ‬إلى‭ ‬أيديولوجية‭ ‬حقيقية‭"‬،‭ ‬مشددا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬احتمال‭ ‬بأن‭ ‬يتبنى‭ ‬تنظيم‭ ‬سياسي‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬حركة‭ ‬لهذا‭ ‬الفكر،‭ (‬الأمر‭ ‬يرتبط‭) ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأحوال‭ ‬بالتطورات‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬المجتمع‭". ‬

من‭ ‬جهته،‭ ‬يُشدد‭ ‬الصحافي‭ ‬يونس‭ ‬دافقير‭ ‬على‭ ‬وجود‭ "‬تعبيرات‭ ‬عنصرية‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا‭ ‬لا‭ ‬يُمكن‭ ‬إنكارها،‭ ‬خاصة‭ ‬تجاه‭ ‬المهاجرين‭ ‬من‭ ‬إفريقيا‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التعبيرات‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تتخذ‭ ‬شكل‭ ‬تيار‭ ‬أو‭ ‬حركة‭ ‬سياسية‭".‬

كما‭ ‬دعا‭ ‬الصحافي‭ ‬إلى‭ ‬الحذر‭ ‬في‭ ‬استعمال‭ ‬شعار‭ "‬تمغرابيت‭"‬،‭ ‬والذي‭ ‬صار‭ ‬تداوله‭ ‬واسعا‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬المغربي‭"‬،‭ ‬مشددا‭ ‬على‭ ‬أن‭ "‬إبراز‭ ‬وتقوية‭ ‬الشعور‭ ‬بالانتماء‭ ‬للوطن‭ ‬وتعبئة‭ ‬الهمم‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬التعصب‭ ‬أو‭ ‬التطرف‭". ‬

هذه‭ ‬الدعوة‭ ‬للحذر‭ ‬يشاطرها‭ ‬أستاذ‭ ‬القانون‭ ‬الدستوري،‭ ‬محمد‭ ‬زين‭ ‬الدين،‭ ‬الذي‭ ‬اعتبر‭ "‬ظهور‭ ‬تيارات‭ ‬أو‭ ‬حركات‭ ‬مجتمعية‭ ‬تسنتد‭ ‬على‭ ‬قومية‭ ‬مفرطة‭ ‬وعلى‭ ‬الرجعية‭ ‬أو‭ ‬نبذ‭ ‬الآخر،‭ ‬من‭ ‬عدمه،‭ ‬تحدده‭ ‬بالأساس‭ ‬النقاشات‭ ‬التي‭ ‬ستُفرض‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭". ‬

 

بالفعل،‭ ‬ففي‭ ‬ظل‭ ‬الجاذبية‭ ‬المتنامية‭ ‬للمغرب‭ ‬والتي‭ ‬جعلت‭ ‬منه‭ ‬بلد‭ ‬استقبال‭ ‬للمهاجرين،‭ ‬قد‭ ‬يُطرح‭ ‬التساؤل‭ ‬مستقبلا‭ ‬حول‭ ‬مدى‭ ‬اندماجهم‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬واحترامهم‭ ‬للهوية‭ ‬المغربية‮…‬‭ ‬عندئذ،‭ ‬يُضيف‭ ‬السيد‭ ‬زين‭ ‬الدين،‭ ‬قد‭ ‬يصير‭ ‬هنالك‭ ‬صدى‭ ‬أكبر‭ ‬وأقوى‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬لما‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الأخرى‭ ‬للمتوسط‭.‬