يبدو أن سنة 2021 ستكون مشهودة في مسار الإصلاح والتحديث والتطوير بالمغرب.
فبعد محطة 28 يناير 2021، والتي شهدت إطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد فيروس كوفيد-19، باعتبارها تتويجا لمسار مغربي استثنائي في التعامل مع الوباء الذي شل حركة العالم، ومرورا بمحطة 14 أبريل 2021 حيث تم إطلاق تنزيل مشروع تعميم الحماية الاجتماعية وتوقيع الاتفاقيات الأولى المتعلقة به.
جاء الدور على تاريخ 25 ماي، ليؤشر على ملامح محطة استثنائية في تاريخ المغرب الحديث، من خلال حدث كبير تمثل في ترؤس صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بالقصر الملكي بفاس، مراسيم تقديم التقرير العام الذي أعدته اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي.
أهمية هذا التقرير العام الذي يكشف عن الخطوط العريضة للنموذج التنموي الجديد، والذي انتظره المغاربة بترقب وشغف كبير، تكمن في أن تجديد النموذج المغربي التنموي يشكل، مرحلة جديدة في توطيد المشروع المجتمعي، الذي يقوده جلالة الملك.
والواضح أن اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، كانت في مستوى التطلعات والآمال المعلقة عليها، حيث اقترحت في ختام أشغالها، رؤية استشرافية لمغرب الغد، ترتكز على التاريخ العريق للمملكة وعلى الهوية الوطنية الغنية بتعددية روافدها وعلى القيم الدينية المبنية على مبادئ الانفتاح والاعتدال والحوار.
ومع ذلك، فإن الأصعب مازال في الطريق، ويتعلق الأمر بورش تنزيل المخرجات والتوصيات التي جاء بها تقرير اللجنة.
بلاغ الديوان الملكي، الصادر بمناسبة تقديم التقرير، أكد بوضوح أن "الحكومة ومختلف الفاعلين والمؤسسات، مدعوون، كل في مجال اختصاصه، للمشاركة والمساهمة الفعالة في تنفيذ التوصيات الوجيهة الواردة في هذا التقرير، من أجل خدمة هذا الطموح والأفق التنموي الجديد، والارتقاء به لمستوى تطلعات جلالة الملك والشعب المغربي".
المطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى أن تضطلع الطبقة السياسية والمسؤولين عن المؤسسات العمومية، والفاعلين الاقتصاديين والخواص والمجتمع المدني، بمسؤولياتهم في تنزيل هذه المشاريع والبرامج على أرض الواقع، سعيا نحو تمكين المواطن البسيط والعادي من الإحساس بالتغيير بشكل ملموس.
ولأن السياسة أساس كل عمل تنموي، فإن الأحزاب السياسية، باعتبارها عصب العملية السياسية، مطالبة بأن تشمر عن ساعد الجد وأن تعي بأهمية وحساسية المرحلة، من أجل تقديم برامج مجتمعية قادرة على الاستجابة للتطلعات المشروعة للمواطنين.
هنا يبدو جليا أن الرهان الأكبر يقع على عاتق الفاعل الحزبي، وعلى الأحزاب السياسية التي ستشكل الحكومة القادمة، إثر إجراء الاستحقاقات التشريعية التي ستشهدها المملكة في شتنبر المقبل.
الأحزاب السياسية، بيمينها ويسارها، محافظة كانت أو حداثية، مطالبة اليوم بالاضطلاع بمسؤولياتها كاملة في اقتراح أفكار ومشاريع كفيلة بتنزيل مضامين تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد.
وقبل أن تفكر هذه الأحزاب في استراتيجيات وخطط لبلورة وتنزيل الرهانات والتحديات الرئيسية التي حددتها اللجنة، فإنها مطالبة أولا وقبل كل شيء باستعادة ثقة المجتمع فيها وفي دورها وطريقة اشتغالها وتفكيرها. خاصة وأن من الإشكاليات الكبيرة التي طرحها التقرير هو أزمة الثقة في المؤسسات السياسية والحكومية، والتي النظرة التي يحملها المواطن بخصوص هذه المؤسسات، والتي تغذي العزوف عن الشأن العام والشعور بعدم الرضا جراء الهوة ما بين الوعود المقدمة وترجمتها على أرض الواقع.
هل الأحزاب السياسية، وهي مقبلة خلال أسابيع قليلة على طلب ود الناخبين من أجل التصويت لصالحها، واعية تماما بهذا الشرخ الحاصل بينها وبين المواطن؟ هل ستستحضر أثناء إعدادها لبرامجها الانتخابية مختلف الأفكار والتوصيات التي تضمنها التقرير العام، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون حشوا لعبارات منمقة ووعود معسولة ومزايدات وتضخيم للأرقام، دون أي إحساس بجسامة المسؤولية التي تنتظرها بعد تشكيل الحكومة الجديدة؟
يبدو أن جلالة الملك بما له من حس استشرافي ورؤية متبصرة، كان قد أشار في خطاب العرش لسنة 2019، إلى أن "الأهم هو التحلي بالحزم والإقدام، وبروح المسؤولية العالية، في تنفيذ الخلاصات والتوصيات الوجيهة، التي سيتم اعتمادها، ولو كانت صعبة أو مكلفة".
السؤال المطروح الآن، هل أحزابنا السياسية، بما هي عليه اليوم، قادرة على أن تكون في الموعد؟