
في ظل اجتياح جائحة فيروس كورونا للمغرب على غرار باقي دول العالم، انصب الاهتمام على الكلفة الاقتصادية والاجتماعية للجائحة، فيما لم يسلط الضوء على التداعيات النفسية لهذه الجائحة بالقدر الكافي. من هنا تأتي المساهمة العلمية " للدكتور عبد القادر أزداد والدكتورة ليلى الشرقاوي أستاذي علم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق (جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء)، لتسليط الضوء على "الخوف الفيروسي" كمصطلح جديد في كتاب أصدراه مؤخرا عن دار النشر "ريان" تحت عنوان "سيكولوجية الخوف الفيروسي".
دور علم النفس في فهم وتحليل كل ما يتعلق بالإنسان
انطلاقا من إيمانهما بـ"الدور الأساسي والرئيسي المنوط بعلم النفس للتدخل والإسهام بوجهة نظر علمية، لفهم وتحليل وتفسير كل ما يتعلق بالإنسان، في بعديه الفردي والاجتماعي"، واعتمادا على أهم المقاربات السيكولوجية الحديثة، كما جاء في تقديم الكتاب بشقيه العربي والفرنسي، يقدم الباحثان معالجة علمية لمحاور مهمة عبر الاجابة عن الاسئلة المشروعة من قبيل: ما هي تأثيرات الأزمة الصحية على نفسية الإنسان وعلاقاته الاجتماعية؟، وما هي الفئات العمرية والبشرية الأكثر تضررا؟، ولماذا ينتشر الخوف بسرعة كبيرة أكثر من الفيروس نفسه؟، وما هو دور وسائل الإعلام ووقعها السيكولوجي في وصف وقراءة الأزمة الصحية؟ وكيف يمكن تحليل وتوقع الخسائر الجانبية المرتبطة بالجائحة؟.
وفي هذا الاطار، يتطرق الإصدار الى السياق العام للظاهرة والمقاربة السيكولوجية ونجاعتها في مثل هذه الظروف، والواقع السيكولوجي للأبناء أثناء الحجر والتأثيرات النفسية لجائحة كورونا على الأفراد في ظل الحجر الصحي والتأثيرات النفسية لما بعد كورونا.
كما يتناول الكتاب البنية النفسية لما قبل كورونا وكيف ولدت الخوف الفردي والجماعي كأهم ردود الفعل النفسية، خاصة أثناء سريان الحجر الصحي وما تلاه من تحول مفاجئ في السلوك لدى الفرد والمجتمع، مع إثارة الانتباه الى أهمية العناية بالصحة النفسية والحاجة الى تأسيس معرفة سيكولوجية محلية لمقاربة مثل هذه الظواهر مع عرض وتحليل التأثيرات النفسية للجائحة.
كورونا..ضحايا سيعانون في صمت طيلة سنوات وعقود من الزمن
يرى الباحثان أنه "كان لتجربة الحجر الصحي بالغ الأثر على التفاعلات الاجتماعية. وتغير طريقة التواصل المألوفة، بضرورة التباعد المجالي، وارتداء الكمامة والعمل والدراسة عن بعد، كما أن الخوف والشك وعدم السيطرة على الوضعية بشكل نهائي كلها عوامل ساهمت في انبثاق أسئلة تهم مصير الإنسانية".
ويشيران الى أنه "إذا كانت جائحة كورونا ستدخل التاريخ المعاصر للبشرية بوصفها أشهر عاصفة للدماغ brainstorming في العصر الحديث عبر تكلفتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والخسائر البشرية التي ستخلفها، فإن التكلفة السيكولوجية في نظرنا سوف لن تقل أهمية عن كل الخسائر المتوقعة وغير المتوقعة. كما أنها لن تقتصر على التداعيات المتمثلة في الاضطرابات النفسية الانية والمستقبلية لما بعد الصدمة، بل إنها ستخلف وبدون شك ضحايا أكثر، سوف يعانون في صمت طيلة سنوات وعقود من الزمن".
وأوضح الدكتور عبد القادر ازداد، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه تم التطرق في الكتاب للتداعيات النفسية التي خلفتها جائحة كورونا من خلال الوضع الذي أفرزه الحجر الصحي، وتأثيره على الفرد والمجتمع من خلال مفهوم جديد أدخلناه في علم النفس سميناه بسيكولوجية الخوف الفيروسي.
فالسياق الجديد الذي أفرزته هذه الجائحة، حسب الدكتور ازداد، أدى إلى ظهور مستويات متعددة من الخوف تجاوزت في خطورتها الخوف الذي يحدثه الفيروس نفسه، مشيرا الى أن "المطلع على محاور الكتاب سوف يكتشف كل هذه التطورات السيكولوجية التي لحقت بنفسية الإنسان أثناء فترة الحجر الصحي، إذ نستطيع القول إن الإنسان قد دخل في دوامة لا متناهية من الخوف عند كل الفئات العمرية وإن بدرجات مختلفة".
ويرى أن المغرب الذي عرف اجتياح الجائحة لمختلف مناطقه، لا يخرج عن هذه القاعدة قائلا "من خلال ملاحظاتنا للواقع النفسي للمغاربة أثناء سريان الحجر الصحي، سجلنا ظهور مجموعة من الاضطرابات النفسية والسيكو-معرفية عند مختلف الفئات العمرية، وتمظهرات متنوعة للخوف الفيروسي باعتماد الأفراد على آليات مختلفة للدفاع النفسي".
المعلومات الزائفة ساهمت في نشر الخوف أكثر من انتشار الفيروس
وحول تعامل وسائل الإعلام المغربي مع تداعيات فيروس كورونا، أقر الدكتور أزداد أن الإعلام الرسمي المغربي كان صريحا في تقديم المعلومات الصحيحة للمواطن بالاعتماد على توصيات ومعلومات اللجنة العلمية المختصة، باعتبارها المصدر الوحيد المخول له تقديم الاجوبة الصحيحة عن مجموعة من التساؤلات التي كان يطرحها المواطنون على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والمعرفية حول الفيروس ونسبة انتشاره وكيفية انتشاره وخطورته والوقاية من العدوى.
غير أنه لفت الى أن بعض المنابر الاعلامية غير المتخصصة ووسائل التواصل الاجتماعية وبعض المواقع على الشبكة العنكبوتية والقنوات الخاصة ساهمت في تقديم صورة غير صحيحة عن الوضع الوبائي وكيفية انتشار الفيروس وخطورته؛ بحيث زكت في بعض الأحيان الكثير من الإشاعات وقدمت غير ما مرة معلومات غير صحيحة عن الفيروس وتداعياته وكيفية انتشاره ونسب الإصابة، وبالتالي ساهمت في تفاقم الاضطرابات النفسية ونشر الخوف أكثر من انتشار الفيروس على أرض الواقع.
وبالنسبة للأستاذة ليلى الشرقاوي، يمثل الكتاب قراءة سيكولوجية لواقع الجائحة على نفسية الأفراد والجماعات، موضحة أن "الخوف الفيروسي مفهوم سيكولوجي جديد اكتشفناه من خلال تحليل مسببات الخوف المتعلقة بفيروس كورونا. الجائحة يطبعها الشعور بالخوف المتشبع بالأخبار الزائفة والإشاعات التي انتعشت في فترة الحجر الصحي والتي شكلت عائقا أمام التصدي العقلاني للجائحة".
وتظل المقاربة النفسية لاغنى عنها في فهم ومواجهة ظروف جائحة (كوفيد 19)، بحسب الدكتورة الشرقاوي في الوقت الذي كانت فيه شبه غائبة او ثانوية في تحليل ومعالجة الأزمات حيث كان يتم إيلاء أهمية لتقييم ورصد كل ما هو مادي لكن مع ظهور الجائحة تبين بوضوح الحاجة الملحة لعلم النفس لأنه علم يهتم بالإنسان ويوجد أينما وجد.
واستنادا الى المعالجة العلمية لمختلف التأثيرات النفسية لوباء كورونا وما يتطلبه ذلك من تكاليف مادية للعلاج النفسي من شأنها إرهاق ميزانيات الصحة والتحمل الاجتماعي للأفراد والأسر كما لفت الى ذلك مؤلفا كتاب "سيكولوجية الخوف الفيروسي"، فإنه يتعين إيلاء الأولوية للعلوم الإنسانية والصحة النفسية التي تضررت كثيرا، ليس فقط بالوباء ولكن بالواقع المعيش المرافق له، لأن الخوف من الفيروس انتشر واستفحل أكثر من الفيروس نفسه.