لا أزعم مناقشة مضامين التقرير النهائي للجنة النموذج التنموي، فللأمانة ومن باب الشفافية، أقر بأنني لم أقرأ حتى الآن سوى الملخص الذي أرفقته اللجنة بتقريرها.
لقد ذهلت عندما بدأت أتوصل بعد لحظات فقط من الكشف عن التقرير النهائي، بأولى ردود الفعل منشورة أو بالصوت والصورة. وقد جاء أغلبها، إن لم يكن كلها، عبارة عن عموميات يمكن كتابتها أو بثها قبل انتهاء اللجنة من أشغالها.
لهذا وقبل الخوض في مضامين التقرير يتوجب التذكير بثلاث نقاط.
أولها أن احترام التقرير باعتباره مجهودا بشريا أولا وأخيرا، يقتضي الانكباب عليه وقراءته بتمعن، قبل التعليق عليه وتقييمه. فأفضل إشادة بمجهود شخص أو جماعة هي تمحيصه وتخصيص وقت كاف للاطلاع عليه بغض النظر عن التقييم النهائي.
أما النقطة الثانية التي يتعين التذكير بها، فهي أن التقرير، وباعتباره مجهودا بشريا اشترك فيه أعضاء اللجنة، وكل من قدم مقترحا أو مذكرة خلال فترة المشاورات، يمثل وثيقة ترسم مسارات ممكنة لتحسين الأداء أو لتحيين التوجه، والأمر لا يتعلق بتاتا بمسارات إلزامية، ففي نهاية المطاف الأمر لا يتعلق بنص صدر عن مسطرة تشريعية أواستفتائية. لذلك فإنه من المتوقع أن يخلق التقرير النهائي نقاشا أوسع، وربما أكثر حدة، من النقاشات التي سادت عند تشكيل لجنته أو التشاور بشأنه. إنه أمر طبيعي، فالنقاش حول تصورات مفصلة يكون أغنى عادة من النقاش حول تصورات كانت في علم الغيب.
إن قوة مثل هذه الاجتهادات تتمثل بالضبط في كونها غير إلزامية، لأنها إن أصبحت كذلك، تكون قد أضحت عائقا أمام التأقلم مع أي متغير جديد وما أكثر المتغيرات وما أخطرها في عالمنا المعاصر.
النقطة الثالثة التي يجب التذكير بها، قبل أي خوض في مضمون الوثيقة، هي أن أعضاء اللجنة الذين أعدوا التقرير، استثمروا في نهاية المطاف خبراتهم، وما توفر لهم من معطيات، حتى وان كانت بعض المقترحات التي توصلوا بها قد جاءت من جهات سياسية أو تحسب على السياسية. إنه توضيح مهم لأن الاعتماد على الخبرة عادة يفرض العمل انطلاقا من سقف الواقع القائم، حتى وإن كان الطموح هو تجاوزه. بعبارة أخرى، الخبرة هي البحث عن "الممكن"، بينما يعود للسياسة، عندما تأخذ مداها، تقديم وصفات لجعل "غير الممكن" بمقياس الخبرة "ممكنا" عبر تحريك وتحرير طاقات تغيير لا يرصدها الخبراء أو استغلال فرص طارئة وغير متوقعة.
إنها ثلاث نقاط يتعين استحضارها قبل الانكاب على التقرير النهائي للجنة النموذج التنموي، حتى يكون التقييم موضوعيا وحرا ومنصفا وحتى تكون الانتظارات في حجمها الطبيعي.