تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

فيها خير

Par
عبد الحفيظ بنخويا

BENKHOYA


في خضم التفكير في تجربة الحجر الصحي التي عاشها العالم إبان الشهور الأخيرة، وما تلاها من قرارات تتناوب ما بين تخفيف وتشديد للإجراءات الاحترازية الصارمة التي فرضت لتطويق وباء كوفيد 19 والحد منه، والتي تسببت بالمقابل في تقليص قدرتنا نحن البشر على الحركة والتنقل والعمل بكل حرية، تنتاب المرء هواجس ومخاوف، بل إنها كوابيس حقيقية.

وذلك من قبيل ماذا لو كان قدرنا أن ترافقنا فترة الحجر وهذه القيود والتدابير الاستثنائية بشكل دائم لتتحول إلى قاعدة وتعود معها الحرية هي الاستثناء.

أي حياة كنا سنعيشها، وأي ذوات كنا سنصبح، وقد عايننا بأم أعيننا الآثار والتداعيات النفسية والاجتماعية والسلوكية الكارثية التي عصفت بكل شرائح المجتمع (ولاسيما الأطفال وكبار السن) بسبب الحجر والقيود الصارمة المرتبطة بالحد من الحركة والتنقل.

وأي تصور ومفهوم أصلا سيصبح لهذه الحياة، التي أضحت في ظل كورونا، أشبه بالسجن الكبير، الذي نعيش فيه حالة سراح مؤقت. سنة واحدة كانت كافية لتزرع الخوف والقلق والكآبة في النفوس، والتوجس من المستقبل القاتم والمظلم، والجزع بخصوص مصير الجنس البشري ككل.

سنة واحدة كانت كافية لتأجيج بعض المشاعر والأفكار السوداء والمتطرفة، والتي ساهمت بشكل واضح وجلي، وفي مناطق عديدة من العالم، في تنامي أفكار وقيم التطرف والعنصرية والنزعات الشعبوية واليمينية المتطرفة.

لقد وضعت هذه التجربة المريرة الجميع على المحك، وجعلت الكل على قدم المساواة في مواجهة الخطر المشترك وضرورة اتخاذ موقف مشترك أيضا.

لحسن حظنا وحظ الأجيال القادمة، أن هناك ضوء بدأ يلوح في نهاية النفق، وبوادر انجلاء العتمة وعودة النور، مع اكتشاف أنواع متعددة من اللقاحات، والشروع في حملات التلقيح آن لنا معها أخيرا أن نتنفس الصعداء.

ولحسن حظنا، في المغرب، أننا أعدنا اكتشاف قدرة دولتنا ومؤسساتنا على الفعل والاستباق والاستشراف.  

لقد كشفت سرعة التحرك والمبادرة لتطويق انتشار الوباء، والسبق في البحث عن توريد اللقاحات، ونجاح ونجاعة وسلاسة عملية التلقيح، أننا لسنا مجرد بلد على الهامش.

الأرقام والإحصائيات الخاصة بعدد المستفيدين من اللقاح، في ظرف قياسي، وفي زمن يشهد تسابقا وتهافتا عالميا غير مسبوق على جرعات التلقيح، تكشف أننا ضمن صدارة الأمم. الأكيد أن أكثر المتفائلين لم يكن يتوقع هذا الإنجاز.

وعلى اعتبار أن مواجهة فيروس كورونا كانت حربا حقيقية، فإن انتصار الدول فيها لا يقاس، هذه المرة، بما تملكه من قوة عسكرية أو نووية أو اقتصادية، وإنما بقدرتها على توظيف كل أدوات القوة الصلبة والناعمة والذكية والحيوية في استراتيجيات المنظومة الصحية والوقائية. وهذا ما يبدو جليا أن المغرب نجح فيه بامتياز.

ومن جهة أخرى، وحرصا على استباق تداعيات أزمات مستقبلية مماثلة، ولاسيما على الصعيد الاجتماعي، وضمان دعم وحماية الفئات الأكثر هشاشة، جاءت الجرأة والشجاعة في اتخاذ قرار تعميم التغطية الصحية والحماية الاجتماعية بالمغرب، بالرغم من تكلفته المالية الضخمة. سرعة اعتماد التدابير القانونية والتشريعية الخاصة به في أفق الشروع في تنزيله بشكل فوري، يظهر بوضوح أن الدولة عازمة على استعادة وظيفتها الاجتماعية، وذلك في سياق عملية إعادة ترتيب للأولويات تضع المجال الاجتماعي في صدارة الاهتمامات.

يبدو أن قوة المغرب تكمن في قدرته على جعل المعارك المصيرية فرصة لرفع التحديات الكبرى.

دخل المغرب معركة كورونا واستطاع الخروج منها بورش اجتماعي ضخم طال انتظاره منذ عقود وعقود، بتزامن مع دخوله مرحلة حاسمة في معركة استكمال الوحدة الترابية والتي يخرج منها، ليس فقط بتكريس سيادته على أراضيه، بل وقد تحول إلى قوة إقليمية حقيقية وإطلاق ورش جبار لجعل الأقاليم الجنوبية مركزا اقتصاديا وتنمويا كبيرا يمتد تأثيره ليشمل مجموع القارة السمراء.