
ذكريات حزينة وقصص طويلة تؤرخ لمسألة شغب الملاعب في مصر الذي امتد لعقود، والتي تنتج عن عدة أسباب، يتداخل فيها التربوي بالمجتمعي والسياسي في بعض الأحيان.
ذكريات مصرية حزينة
شهدت الملاعب المصرية عددا من وقائع شغب الجماهير التي ما زالت عالقة في أذهان المصريين على مر التاريخ، ففي الثاني والعشرين من دجنبر عام 1971، شهد لقاء القمة بين الأهلي والزمالك في الدوري المصري، أحداثا مؤسفة تلت احتساب ركلة جزاء لصالح الزمالك لتقوم جماهير الأهلي باجتياح الملعب على إثرها.
لم يخلف الحادث ضحايا ولكن شهد سقوط العشرات من الجرحى من الجانبين.
وفي السابع عشر من فبراير عام 1984، شهد لقاء مصر والجزائر في تصفيات أولمبياد لوس أنجلوس، اشتباكات بين لاعبي الفريقين. وفي 14 نوفمبر 2009، عرفت مباراة مصر والجزائر في تصفيات كأس العالم 2010، أحداثا كادت تتحول لمأساة بسبب توتر الاجواء والمشاحنات التي سبقت المواجهة، وتعرض حينها المنتخب الجزائري للرشق بالحجارة من قبل الجماهير المصرية وأصيب عدد من اللاعبين الجزائريين ما دفع الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" بنقل مباريات مصر في التصفيات الموالية خارج القاهرة.
ولكن يبقى تاريخ الأول من فبراير عام 2012، هو الأكثر دموية، حيث لقي نحو 72 مشجعا مصرعهم، في أحداث شغب بملعب بورسعيد خلال مباراة الأهلي والمصري، في أكبر كارثة بتاريخ الملاعب المصرية.
ونزل المشجعون إلى أرض الملعب عقب نهاية المباراة وطاردوا لاعبي الأهلي وجهازه الفني ومشجعيه، فيما تعرضت جماهير الأهلي في المدرجات لهجمات أدت إلى مقتل العشرات منهم.
وفي 8 فبراير، من نفس السنة قتل 22 شخصا على الأقل في اشتباكات بين قوات الأمن ومشجعين للزمالك، أمام ملعب 30 يونيو شرقي القاهرة، خلال مباراة الزمالك وإنبي.
أسباب الظاهرة وسبل للعلاج
تعليقا على ظاهرة "شغب الملاعب"، يقول الدكتور محمد فتح الله، الخبير التربوي إن الساحة الرياضية في مصر شهدت العديد من حالات الشغب التي كانت في وقت من الأوقات سلوكا ملازما للمشهد الرياضي وباتت امتدادا لمظاهر العنف المجتمعي.
واعتبر فتح الله في تصريح لمجلة BAB، أن "تعطيل العمل بالقوانين المنظمة في فترة من الفترات، شجع بعض الجماهير على التمادي في أحداث شغب الملاعب، وطفت تلك الظاهرة على السطح إثر اندلاع مواجهات ضارية في الملاعب الرياضية المختلفة نتج عنها العديد من الإصابات والضحايا، وكانت تلك الظاهرة تنذر بحدوث مشكلات اجتماعية".
وتابع أن "من أهم أسباب تلك الظاهرة الخبيثة، غياب التفعيل الحقيقي للعمل بالقوانين المنظمة في الاتحادات الرياضية، وحل المشاكل بطريقة اجتماعية سطحية والتساهل مع المشاغبين من قبل السلطات الأمنية وضعف إدارات الأندية".
ورأى أن الإعلام الجديد والسوشيال ميديا وما تشهده من صراعات ومناوشات بين الجماهير يساهم في شحن وتأجيج الأوضاع وفقدان السيطرة على أي تصرفات قد تحدث بالمدرجات.
ونوه الخبير التربوي إلى أن الأمر لا يقف عند حد الجماهير، بل يشارك في صراعات "السوشيال ميديا" الكثير من الأطر وأعضاء الإدارات وغالبية اللاعبين الذين يدخلون في نقاشات لا تؤدي إلا إلى مزيد من الكره والغضب الذي ينعكس على التصرفات في المباريات.
وأضاف أن ظاهرة "شغب الملاعب" دفعت المسؤولين في مصر إلى وضع الآليات وسن القوانين اللازمة للسيطرة على تلك الظاهرة، فعمدت الدولة المصرية إلى تأسيس منظومة إلكترونية لبيع التذاكر الخاصة بالأحداث الرياضية، وإدراج كل البيانات الخاصة بطالب التذاكر على قاعدة معلوماتية تُمكّن المسؤولين من الوصول إلى المشجع حال قيامه بأي مخالفة أو إثارة الشغب أثناء الحدث الرياضي.
وقال إن مصر سنت أيضا القوانين الرادعة لاجتثاث تلك الظاهرة، من خلال إدراج مواد تسمح بحبس وغرامة كل من يعمد إلى إثارة الشغب في المدرجات، بالقول أو الفعل.
من جهته، اعتبر الدكتور عاصم حجازي أستاذ علم النفس التربوي بجامعة القاهرة، أن الخطوة الأولى لعلاج أي مشكلة هي الاعتراف بوجود المشكلة، مشيرا إلى أن ظاهرة "شغب الملاعب" أصبحت ظاهرة سلبية تشوه السلوك الرياضي للجماهير، وذلك في الوقت الذي تقوم فيه سلطات الأمن بجهود كبيرة لضبط مثيري الشغب.
وأرجع الخبير النفسي في تصريح لمجلة BAB، ظاهرة شغب الملاعب إلى أسباب ثلاثة؛ وهي التعصب الرياضي، والحماس الزائد العصبي، وقلة الوعي، مشددا على أن مسؤولية تفاقم المشكلة تقع على عاتق من ساهم في انتشار تلك الأسباب في الأساس.
ونوه إلى أن الإعلام ينبغي أن يكون له دور الريادة في اجتثاث تلك الظاهرة من جذورها، من خلال التأكيد على أهمية التحلي بالأخلاق الرياضية داخل الملاعب وخارجها، منوها إلى أن مسؤولية الإعلام كبيرة في هذا الصدد، من خلال غلق الباب في وجه مثيري الفتنة من أصحاب الآراء التي لا تخدم الصالح العام وفتح صفحات الصحف والقنوات والمنصات الإعلامية لصوت الوعي الذي يرتقي بوعي المتلقي.
ورأى أستاذ علم النفس التربوي أن لعناصر المنظومة الرياضية من إداريين ومدربين ولاعبين، دورا في اجتثاث ظاهرة "شغب الملاعب" من أساسها، وذلك بترسيخ سلوكيات مهمة مثل إعلاء قيم الروح الرياضية، والبعد عن التشنج والاتهامات وافتعال المشكلات داخل الملاعب مع المنافسين.
بدورها، استعرضت الدكتورة سامية الساعاتي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، عددا من الحلول التي قد تسهم في السيطرة على ظاهرة شغب الملاعب، حيث طالبت بضرورة إقامة المؤتمرات والندوات للجماهير للتعريف بالقوانين الصحيحة للألعاب الرياضية ذات الاهتمام الجماهيري. ورأت الأكاديمية المصرية أن لوسائل الإعلام دور أساسي في القيام بهذه المهمة؛ حيث يجب الابتعاد عن تأجيج الجماهير، والاهتمام بشرح قواعد وأصول اللعبة وتوعية وتثقيف الجمهور رياضيا، والعمل على ربط أواصر العلاقات بين اللاعبين والجمهور والأندية، وممارسة التوجيه والإرشاد للأفراد والنوادي والهيئات الرياضية وغير ذلك من نواحي القصور.
ودعت إلى ضرورة نشر ثقافة التسامح والروح الرياضية قبل وبعد انتهاء المباريات، وإقامة محكمة رياضية حيادية يتم اللجوء إليها عند أي خلاف بين الأندية، فضلا عن تجريم التصريحات التي تنتقد سياسات المنظومة الرياضية.
وشددت على أهمية إيجاد الآليات التي تمكن من حصر الأشخاص الذين يثبت تورطهم في أي أحداث شغب وتسجيلهم ومنعهم من دخول أي مباراة، وتقديمهم إلى الجهات القانونية لاتخاذ ما يلزم من إجراءات.
قوانين مصرية للردع
عمدت السلطات التشريعية في مصر إلى سن قوانين رادعة بحق مثيري الشغب من الجماهير، حيث صدر قانون الرياضة الذي أقر عقوبات الحبس والغرامة على كل من يقوم بسب أو قذف أو إهانة شخص طبيعي أو اعتباري أو حض على الكراهية أو التمييز العنصري أثناء النشاط الرياضي، كما سمح القانون بحبس وغرامة كل من استخدام القوة أو العنف أو التهديد أو الترويع ضد لاعب أو حكم أو أحد أعضاء الأجهزة الفنية والإدارية للفرق الرياضية أو أحد أعضاء مجالس إدارات الهيئات الرياضية.
وأقر القانون بحبس وغرامة كل من حرض بأي طريقة على إحداث شغب بين الجماهير أو الاعتداء على المنشآت أو المنقولات أو تعطيل نشاط رياضي بأي طريقة، وكل من مارس نشاطاً منظماً في مجال الرياضة عن غير طريق هيئة مشهرة أو عن طريق شركة غير مرخص لها.