تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

توق للكرامة

Par
خليل الهاشمي الإدريسي

 

-لماذا‭ ‬كان‭ ‬لقضية‭ ‬ريان‭ ‬المحزنة‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الوقع‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي؟‭ ‬عندما‭ ‬يسقط‭ ‬طفل‭ ‬يبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬5‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬غياهب‭ ‬الجب،‭ ‬بما‭ ‬يعنيه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬عذاب‭ ‬ومعاناة،‭ ‬فإن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بأذى‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تصوره،‭ ‬ولكنه‭ ‬للأسف‭ ‬ليس‭ ‬شأنا‭ ‬فريدا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭.‬

‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬حتى‭ ‬اكتسب‭ ‬هذا‭ ‬الحادث‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الصيت‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬نفسه‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬قضية‭ ‬ريان‭ ‬بعاطفة‭ ‬وتأثر؟‭  ‬ربما‭ ‬إن‭ ‬الظرفية‭ ‬تكسب‭ ‬الأحداث‭ ‬معناها‭ ‬الخاص،‭ ‬ولعله‭ ‬الزخم‭ ‬بعينه،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ "‬التوقيت‭" - ‬في‭ ‬المحصلة‭ ‬النهائية‭ ‬–‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يسم‭ ‬تلك‭ ‬الأحداث‭. ‬لقد‭ ‬أدركتم‭ ‬ذلك،‭ ‬إن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الإسهاب‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالزمن‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭.‬

لقد‭ ‬اجتاحت‭ ‬قضية‭ ‬ريان‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬ظرف‭ ‬زمني‭ ‬دقيق‭. ‬إن‭ ‬وضع‭ ‬هذا‭ ‬التكتل‭ ‬الإثنو‭ - ‬جيو‭ - ‬إستراتيجي‭ ‬المتشرذم‭ ‬ليس‭  ‬مدعاة‭ ‬للفخر‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭. ‬ولعل‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬قدمت‭ - ‬بصورة‭ ‬مكثفة‭ ‬–‭ ‬مغزى‭ ‬بليغا‭ ‬للشعب‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬تشنجات‭ ‬تاريخية‭ ‬خطيرة‭ ‬وأزمات‭ ‬كثيرة‭ ‬ومتعددة‭ ‬الأوجه‭ ‬تؤثر‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬هويته‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬اعتلال‭ ‬الواقع،‭ ‬يعبر‭ "‬ريان‭" ‬عن‭ ‬رغبة‭ ‬جماعية‭ ‬في‭ ‬الاحترام‭ ‬والرعاية‭ ‬والاعتبار‭: ‬تطلع‭ ‬مشترك‭ ‬لدولة‭ ‬حماية‭ ‬تصنع‭ ‬المعجزات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حياة‭ ‬مواطنيها‭ ‬الذين‭ ‬تحترمهم‭ ‬وتبذل‭ ‬أقصى‭ ‬ما‭ ‬تطيق‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬إنقاذهم‭.‬

‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للمرء‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬ريان‭ ‬دون‭ ‬استحضار‭ ‬تلك‭ ‬الرغبة‭ ‬المطلقة‭ ‬في‭ ‬تجاوز‭ ‬هذا‭ ‬الحاضر‭ ‬الغامض‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬وذاك‭ ‬المستقبل‭ ‬الذابل‭ ‬وتلك‭ ‬الآفاق‭ ‬المسدودة‭. ‬وهو‭ ‬عينُ‭ ‬البعد‭ ‬الذي‭ ‬يسمح‭ ‬بفهم‭ ‬كل‭ ‬المشاعر‭ ‬المتولدة‭ ‬والانفعالات‭ ‬التي‭ ‬اكتسحت‭ ‬الأرواح‭ ‬والأجساد‭.‬

ما‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬وقتنا‭ ‬الراهن؟‭ ‬اليمن‭ ‬المفكك‭ ‬والمضحى‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الطموحات‭ ‬الإقليمية‭ ‬الشيعية‭ ‬المتضخمة‭. ‬سوريا‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭ ‬لها‭ ‬حيث‭ ‬وحده‭ ‬يدفع‭ ‬الشعب‭ ‬ثمنها‭ ‬الدموي‭. ‬لبنان،‭ ‬كنوع‭ ‬نادر‭ ‬وفاخر،‭ ‬مهدد‭ ‬بالانقراض‭. ‬عراق‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬نقاهة‭ ‬بعد‭ ‬خضوعه‭ ‬لعملية‭ ‬ذبح‭ ‬منتظمة‭ ‬ومنهجية‭ ‬وغير‭ ‬شرعية‭. ‬ليبيا‭ ‬التي‭ ‬تسير‭ ‬على‭ ‬حبل‭ ‬مشدود‭ ‬إلى‭ ‬هاوية‭ ‬العنف‭ ‬تجر‭ ‬أطرافه‭ ‬القوى‭ ‬الإمبريالية‭ ‬المغرضة‭ ‬ومرتزقة‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الأطياف‭. ‬تونس‭ ‬التي‭ ‬تفقد‭ ‬نفسها‭ ‬دون‭ ‬حائل‭ ‬في‭ ‬بحثها‭ ‬المحموم‭ ‬عن‭ ‬ديمقراطية‭ ‬متخيلة‭. ‬الجزائر،‭ ‬بلد‭ ‬غني‭ ‬وجدير‭ ‬بأن‭ ‬يعيش‭ ‬بكرامة،‭ ‬يجري‭ ‬تفقيره‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬جنرلات،‭ ‬سيكوباتيين‭ ‬وشرهين،‭ ‬بلا‭ ‬أي‭ ‬شفقة‭ ‬على‭ ‬أمتهم‭.‬

ربما‭ ‬أيقظ‭ ‬ريان‭ ‬كل‭ ‬هذا‭! ‬لقد‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬قسرا‭ ‬في‭ ‬أمة‭ ‬تائهة‭ ‬في‭ ‬بؤسها‭ ‬اللامتناهي،‭ ‬يحمل‭ ‬تلك‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬احترام‭ ‬الإنسان‭ ‬ورعايته‭ ‬وفي‭ ‬إفشاء‭ ‬معاني‭ ‬الكرامة‭ ‬والسلام‭ ‬والديمقراطية‭ ‬والحرية‭ ‬والمسؤولية‭ ‬والحياة‭. ‬لقد‭ ‬ضحى‭ ‬ريان‭ ‬بحياته‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تطمس‭ ‬قسوة‭ ‬العالم‭ ‬هذه‭ ‬المثل‭ ‬المتوافقة‭ ‬مع‭ ‬جوهر‭ ‬الحياة‭.‬