ما الذي دفع تبون إلى تلك الخرجة الصحافية المتشنجة، المفتقدة إلى اللياقة الأخلاقية واللباقة الدبلوماسية؟.. لماذا "بدت البغضاء من أفواههم" - بذلك الشكل الفج والصبياني؟!.. (وما تخفي صدورهم أعظم).
ثمة جواب وحيد ممكن: "الصدمة.. كانت قوية"، كما غنى مطربنا عبد الهادي بلخياط.
ويبدو واضحا اليوم - أكثر من أي وقت مضى - ان الأمر لا يتعلق بخصومة.. ولا بغيرة.. ولا بمزاجية طارئة.. ولكنها "عقيدة عداء" مستحكمة لدى حكام الجزائر!..
نعم، صدم تحالف المصالح الحاكم في الجزائر من سيل الأهداف التي سجلتها الدبلوماسية المغربية في شباك التكلس الفكري والتخشب السياسي والرعونة البلهاء لدى الجيران..!
ولأن الصدمة المباغتة كانت حقا قوية، كان لابد أن يبحث هؤلاء عن أي منفذ لتصريف موقف سياسي يعيد التوازن إلى الجسد المترنح على البساط المسحوب..!
فكانت الخرجة الصحافية المثيرة للشفقة. وهي - بالمعيار السيكولوجي - تنفيس مرضي عن غل مكبوت تغذيه "عقدة نقص" مركبة.
ولنكن صرحاء ونسم الأشياء بمسمياتها: عقدة النقص تلك التي فرخت بيوضها "العقدية" - بضم العين وبفتحها كذلك - في النسيج النفسي لبنية النظام في الجزائر مأتاها من الإحساس القاتم ب"العجز" عن مجاراة الإيقاع التنموي في المغرب.
والذين شاهدوا زعيم الميليشيا الانفصالية ممددا على السرير، وفوقه ميكروفونات التلفزيون الجزائري، في مشهد ينضح بالبروباغندا "المصنوعة" على طريقة القذافي.. فهموا أن "صدمة" الجيران كانت حقا موجعة!
مشهد بائس، بمقياس الإخراج التلفزيوني.. بينما تنتقل ميكروفونات طويلة على مساحة ضيقة بين تبون وابن بطوش على طريقة تلفزيونات الأبيض والأسود في السبعينات !
هل تذكرون أول تلفزيون دخل بيوتكم: لا شك انه كان ذا شاشة سميكة بيضاوية الشكل وخلفه "كرش" كبيرة تكاد تلتصق بالحائط.. فإذا فتحتموه أصدر صوتا كالأزيز وبدت صوره المتراقصة بالأبيض والأسود..
تذكرتموه؟..
هكذا عقلية هؤلاء القوم.. كمثل هذا التجسيد الحسي لتلفزيون مهترئ قديم!
عقلية "ثورية" - نسبة إلى الثور (زوج البقرة، زعما - لا الثورة).. ثور.. وثور.. وثور.. "حتى النصر!"
ثيران هائجة - في لعبة الكوريدا - تجري وراء قطعة ثوب فلا تنطح سوى الفراغ!.. ثم تثخنها الجراح فيخرج الثور يعقبه الثور.. وعلى جواده يظل الفارس.