
الحجامة طبيا هي شفط جزء من طبقة الجلد وأنسجته في مواقع محددة ومدروسة لتوليد ضغط سالب يؤدي إلى تجميع الدم بالشعيرات الدموية في هذه المنطقة، ثم إعادة الشفط على الموقع نفسه بعد تشريط سطح الجلد لسحب الدم المحتقن من مواقع التشريط. أما الحجامة عمليا فهي عملية سحب الدم أو مصه من سطح الجلد باستخدام كؤوس الهواء في مواقع محددة، وذلك بإحداث جروح بسيطة على الجلد وجمع الدم المحتقن في المحجم.
وحسب الجمعية الوطنية للعناية بالصحة، لا يعرف على وجه التحديد متى ظهرت الحجامة وكيف، لكن المتعارف عليه أن تاريخها قديم قدم الحضارات الإنسانية، فقد استخدمها الفراعنة في العلاج، وظهر ذلك جليا في مقبرة (توت عنخ آمون) ومعبد (كوم أمبو) بحيث وجدوا رسومات ونقوشات ووجدوا أيضا في سراديبهم كؤوسا معدنية وأخرى من شجر البامبو.
أما الإغريق فاستعملوا الحجامة لغرض واحد هو استخراج الأرواح الشريرة من الجسم لاعتقادهم أن المرض يحدث نتيجة دخول أرواح شريرة في الجسم. كما ازدهرت الحجامة في الحضارة الهندية، كما تبين في مجموعة من الكتب من أشهرها كتاب (الإيروفيدا) الذي فصلت فيه الحجامة بطرقها المختلفة.
وعرف العرب الحجامة قبل الإسلام واستعملوا فيها دود العلق والكؤوس المعدنية. ولما جاء الإسلام أقر الحجامة ودعى إلى مزاولتها والاستشفاء بها، عملا بالسنة النبوية الشريفة، حيث يقول الرسول في حديث صحيح "الشفاء في ثلاث: كية نار، أو شرطة محجم، أو شربة عسل".
وحسب الدكتورة إكرام تيكور، أخصائية في التغذية العلاجية، ومدربة معتمدة في العلاج بالحجامة، تستخدم الحجامة، وهي نوع من أنواع الطب التقليدي البديل، للتخلص من بعض الأمراض، وهي عمليا عبارة عن أكواب خاصة يتم وضعها على الجلد في مواطن يراد علاجها من الم أو علة ما بغية تجميع دم في موطن وضع الكوب.
وتختلف أنواع الحجامة، لكن أهمها الحجامة الجافة التي تعتمد على شد الجلد في الأكواب من دون تجريحه، والحجامة الرطبة التي يتم فيها تجريح الجلد لينزف في الأكواب.
وفي حديث لمجلة BAB، أكدت الدكتورة تيكور أن الحجامة تستخدم لفوائدها المحتملة في علاج عدد من الأمراض، لا سيما الآلام الموضعية، من قبيل آلام الرأس والظهر والركبة ومتلازمة النفق الرسغي، بالإضافة إلى داء السكري، والتهاب المفاصل، والصداع النصفي، وبعض الأمراض النفسية، خاصة الاكتئاب والأرق.
قد تطول لائحة الأعراض التي يتم اللجوء في علاجها لممارسة الحجامة، لكن الدكتورة تيكور تعتبر أن أكثر أنواع الأمراض التي تنجح الحجامة في علاجها هي الآلام، خصوصا على مستوى الرأس والكتفين والظهر والركبتين، حيث تحقق الحجامة نتائج "مذهلة".
فيما لا توجد سن محددة لعمل الحجامة، فقد توصف للرضيع كما توصف للشباب والشيوخ، ويبقى الاختلاف في تقنيات عملها، تضيف المتخصصة في الطب العام والتغذية العلاجية.
ويضيف ادريس الركراكي، معالج بالحجامة، رئيس الجمعية المغربية للعناية بالصحة، إلى لائحة الأمراض التي تعالجها الحجامة، الشقيقة وضغط الدم شريطة التركيز على المسببات وعلى الشريان السباتي الأيمن والأيسر وتفرعاته، بالإضافة إلى الشحوم الثلاثية والكولسترول، من خلال التركيز على نقاط الكبد باعتباره المسؤول عن تكسير واذابة الدهون في الجسم.
وتساعد الحجامة ايضا، حسب هذا المدرب المعتمد الذي يعمل بتنسيق مع المركز الأمريكي للتدريب والاعتماد، الذي يتوفر على فرع له في المغرب، في علاج عرق النسا في مرحلته الأولى والثانية، والشلل الوجهي والتشنجات العضلية، فضلا عن تأخر الإنجاب وتنميل ووخز الأيدي وعدم القدرة على رفعهما، حيث يتم التركيز على أماكن الضفيرة العضدية، وبرودة الساقين وتشنجهما من خلال عمل الحجامة على الضفيرة العجزية والشريان الفخذي والساقي.
وفي مقابل ذلك، وفي سياق انتشار وباء "كوفيد 19" وما يتم تداوله بشأن فعالية الحجامة في تطهير الجسم وتخليصه من الفيروسات، وفي الوقاية من الإصابة بالوباء، أكدت الدكتورة تيكور أن الحجامة تعتبر وسيلة من وسائل العلاج، يتم وصفها لعلاج أعراض معينة كوسيلة من وسائل العلاج، ويصعب الجزم بفعاليتها في هذه الحالة في غياب أبحاث علمية يمكن الاستناد عليها أو على الاقل تجارب سريرية.
نفس الفكرة أكدها السيد الركراكي، الذي نفى إمكانية القول بأن الحجامة يمكن أن تقي من وباء كوفيد 19، لان هذا الأمر يحتاج إلى أبحاث علمية سريرية، لكن يمكن القول إن الحجامة ترفع من مناعة الجسم بعملها على نقاط المناعة.
فوائد وشروط
تعمل الحجامة بالأساس على التنشيط والتحفيز، أي إرسال رسائل إلى الدماغ من المكان المصاب أو العضو المصاب أو الجهاز المصاب، على اعتبار أن لكل عضو داخلي عصب حسي خارجي يجب معرفته، يفسر السيد الركراكي.
فعندما نركز على الأعصاب الحسية التي لها علاقة بالعضو المصاب ترسل إشارات من العصب الحسي الى العقدة العصبية الى جذع الدماغ ثم الى الدماغ حيث تترجم داخله، ليعطي بعد ذلك أوامر للدفاع بافراز المضادات وأخرى للغدد لإفراز ما يحتاجه الجسم كالهرمونات والبروتينات والمواد الكيميائية، ويرسل أيضا إشارات للدورة الدموية بالتدفق إلى المكان المصاب، علما أن الدورة الدموية تكون محملة بالاكسجين والخلايا والمغذيات.
"فمثلا عندما يكون هناك خلل في وظيفة الأعضاء الداخلية يجب عمل الحجامة على الجهاز العصبي الذاتي لأنه هو المسؤول عن تنظيم وظائف الجسم المختلفة، يعني الاستقرار المتجانس".
وعند القيام بعملية التشريط، يضيف السيد الركراكي، شريطة أن يكون بسيطا وخفيفا وعلى مستوى البشرة فقط، يقوم الجسم بإفراز مادة حمض النتريك الذي يقوم بتوسعة الأوعية الدموية وتنشيطها ويقوم ايضا بزيادة الاكسجين للالياف العضلية والدماغ،بالإضافة إلى تحفيز عدد من الهرمونات للقيام بعملها.
لكن يشترط لنجاح الحجامة أن يكون المعالج متمكنا وملما بقواعدها وشروطها الأساسية، مع التركيز على تشخيص الطبيب ومراعاة بعض الامور كبنية المريض والمرض أو الأمراض المصاحبة، والأدوية التي يتناولها، بالإضافة إلى معرفة موانع الحجامة، المتمثلة على الخصوص في الإصابة بفقر الدم وانخفاض الضغط الدموي وانخفاض نسبة السكر في الدم، والقصور الكلوي. ويشترط أيضا بعد الحجامة الحرص على الراحة الجسمانية وعدم ممارسة الرياضة والامتناع عن تناول الأغذية التي تحتوي على الكافيين.
الحجامة.. أسس علمية موحدة رغم اختلاف الأنواع
من الطبيعي التساؤل عن كيف يمكن للحجامة أن تكون سببا في الشفاء بمجرد وضع كؤوس تحت ضغط معين، وهو ما يجيب عنه مثلا مدير أكاديمية ابن سينا للطب، الدكتور الكنداسي محمد علي، الحاصل على دكتوراه في الصيدلة، ودبلوم الطب الصيني، والمدرب المعتمد من الجمعية الأمريكية للعلوم التقليدية، بأن العلاج بالكؤوس تحت الضغط له أكثر من جانب، فوضع الكؤوس على الجلد تحت ضغط سلبي معين يعمل على سحب التراكمات والإفرازات والدم الفاسد من العضو المصاب لأعلى، ويظهر ذلك من خلال الدوائر الحمراء التي تتكون بمواضع الكؤوس.
هذا التأثير يساعد في شفاء العضو المصاب لأنه ينشط تدفق الدم به، ويساعد في تخليصه من الشوائب الدموية والتراكمات الضارة، "لذا يمكن القول بأن العلاج بالكؤوس يسحب هذه التراكمات الضارة من مناطق عميقة هامة إلى مناطق سطحية أقل أهمية، من خلال وضعها مباشرة على الجزء موضع المعالجة، كما يفيد العلاج الموضعي بالكؤوس، وخاصة الدافئة في تخفيف التقلص العضلي، لأنها تساعد على استرخاء العضلات.
سنة نبوية
يوضح عمر الغضفاني، أحد ممارسي الحجامة أن هذه الممارسة، التي تعتبر سنة نبوية يستحسن عملها أيام 17 و 19 و21 من الشهور الهجرية، تختلف أنواعها، باختلاف الأمراض، بين الحجامة الجافة والحجامة المتزحلقة والمائية والدوائية والدموية والمغناطيسية، مذكرا بأنه في بعض الحالات المرضية تستعمل الحجامة كل 15 يوما أو 20 يوما.
وحسب المعالج الذي تلقن الحجامة من خلال الاستفادة من دورة تدريبية، تعتمد الحجامة الجافة على وضع كأس فوق الجلد، حيث يقوم المعالج بشفط خفيف مع إبقاء الكأس في مكانه لمدة 15 أو 30 دقيقة ثم يتم نزعه.
أما الحجامة المتزحلقة فتتم من خلال وضع مادة لينة على الجلد، غالبا إحدى أنواع الزيوت، ثم القيام بشفط خفيف مع تحريك الكأس على جسم المصاب أو على فقرات الظهر في حركات تشبه التدليك، فيما يتم في الحجامة المائية وضع ماء بارد في الكأس وشفط الفقرات العلوية من الظهر لمدة 20 دقيقة إلى أن تنزل درجة حرارة الجسم.
وفي ما يخص الحجامة الدوائية، يتم، حسب السيد الغضفاني، استخدام بعض الأعشاب أو الزيوت العطرية التي يتم وضعها على السرة، أو على مناطق الجسم التي تعاني من البرودة من قبيل الأطراف، بينما يتم استخدام كؤوس بها مغناطيس لعلاج آلام المفاصل من خلال الحجامة المغناطيسية.
وتبقى الحجامة الدموية هي الأصل في العلاج، حسب هذا الممارس، وذلك بالنظر لفوائدها المتعددة، التي تنعكس على نشاط الدورة الدموية وتفيد في علاج الأمراض الجلدية بصفة عامة، وكذا علاج القولون العصبي والغدة الدرقية وبعض الأمراض الباطنية، بل حتى النفسية.