
تم الإعلان في المغرب خلال السنوات الأخيرة عن اكتشافات أثرية مهمة، شكلت إضافة نوعية في سلسلة الاكتشافات الأركيولوجية عالميا، وحازت اهتمام العلماء. وامتازت هذه الاكتشافات بترسيخ أهمية تعزيز تسليط الضوء على تاريخ المغرب الضارب في القدم وعلاقته بتطور الإنسان، إذ فرضت الاكتشافات الأركيولوجية الأخيرة إعادة كتابة التاريخ المرتبط بتطور ونشأة الإنسان فيما يتعلق بالهجرات والحضارات.
وباتت الأبحاث الأركيولوجية والاكتشافات موقعة بأنامل أطر مغربية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، حيث أصبحت طريقةُ معالجة النتائج وتحليل المعطيات مخالفة لبدايات البحث الأثري بالبلاد.
وفي هذا السياق يدعو الفاعلون في مجال الاكتشافات إلى العمل على أن لا يظل هذا المجال رهينا بالميزانية المرصودة له، خصوصا أنه يشمل مجالات علمية أخرى؛ وذلك بهدف التشجيع على البحث في هذا المجال الذي يعد مكلفا في كافة مراحله. لكن في الوقت نفسه يمكن تلمس التفاؤل في صفوف الباحثين في مجال الأركيولوجيا بالمغرب بخصوص مستقبل هذا الميدان، خصوصا أن المغرب أصبح وجهة للباحثين فيه، كما يعمل العديد من الباحثين ومراكز البحث الأجنبية على إبرام شراكات من أجل الدفع أيضا بالبحوث الميدانية.
ويعتبر الباحثون المغاربة الاكتشافات الأركيولوجية البارزة خلال السنوات الأخيرة تتويجا للمسار الذي بدؤوه قبل 30 سنة، مؤكدين إمكانية حدوث اكتشافات أخرى خلال السنوات المقبلة نتيجة نضج الخبرة المغربية في المجال.
ويؤكد عالم الآثار والباحث في المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، عبد الجليل بوزوكار، لمجلة BAB، أنه مع الإعلان خلال السنوات الأخيرة عن العديد من الاكتشافات التي توصف بالأولى أو الأقدم، استطاع المغرب أن يجني ثمار ما تم الاشتغال عليه منذ سنوات وعلى الأقل منذ سنة 1985 عندما قام المغرب بإنشاء المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، وبالتالي فإن هذه الاكتشافات، كما يقول عالم الآثار، لها عمق وتاريخ. فعمليات التنقيب، يستطرد عبد الجليل بوزوكار، بدأت منذ أكثر من 30 سنة، وبالتالي يمكن ترقب اكتشافات أخرى مهمة في السنوات المقبلة.
ودعا إلى إيلاء الاهتمام بهذا المجال لأنه يهم التاريخ والهوية البشرية، ويهم المغرب أيضا كمنطقة جغرافية تأثرت وأثرت في هذا التاريخ، مضيفا أن ما يتم تسطيره حاليا من إشعاع في هذا المجال يعني أنه استمرار لنبوغ قديم في المغرب.
فالمغرب ليس بلدا رأى النور حديثا أو هو وليد الأمس، يؤكد عالم الآثار المغربي، ولم يكن منغلقا على نفسه، فسكانه الأولون، وبفضل ما أنجزوه، أثروا ليس فقط في محيطهم الأفريقي وإنما في تاريخ البشرية.
“إنسان المغرب" يعيد كتابة التاريخ
تم الإعلان سنة 2017 عن اكتشاف وصفته المجلات العلمية بـ"الاكتشاف الذي يعيد كتابة التاريخ"، يتعلق الأمر بجمجمة وبقايا عظام إنسان ينتمي لفصيلة الإنسان العاقل "هومو سابيانس Homo Sapiens"، وذلك بجبل إيغود ناحية اليوسفية بجهة مراكش تانسيفت. وهو اكتشاف مؤرخ بحوالي 300 ألف سنة.
أماط اللثام عن الاكتشاف الجديد فريق دولي بإشراف كل من الباحث عبد الواحد بن نصر عن المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، وجان جاك يوبلان Jean Jacques Hublin عن معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا المتطورة بألمانيا. وأوضح الفريق أنه تم تحديد تاريخ هذا الاكتشاف بواسطة التقنية الإشعاعية لتحديد العمر، واعتبرت هذه العظام أقدم بقايا مكتشفة لفصيلة الإنسان العاقل "الهومو سابيانس"، حيث يفوق عمرها عمر أقدم إنسان عاقل تم اكتشافه حتى ذلك الحين بحوالي 100000 سنة. وجعلت هذه البقايا التي تم اكتشافها من موقع "جبل إيغود" أقدم وأغنى موقع يعود إلى "العصر الحجري الوسيط" بإفريقيا يوثق مراحل تطور الإنسان العاقل الأولى.
هذا الاكتشاف وفق ما صرح به الأستاذ عبد الجليل بوزوكار لـBAB أعاد النظر في الرقعة الجغرافية التي ظهر فيها هذا الإنسان العاقل؛ بمعنى أنه فيما سبق كان يعتقد أن هذا الانسان العاقل كان ينحصر وجوده فقط في مناطق معينة من العالم وخاصة في إفريقيا بجنوبها وشرقها، ولكن هذا الاكتشاف الذي تم الكشف عنه في المغرب سلط الضوء على نقطتين مهمتين، كما يؤكد العالم بوزوكار. الأولى تتعلق بكون شمال إفريقيا بشكل عام لعب دورا مهما في نشوء الإنسان العاقل الذي قام بالعديد من الانجازات، والثانية هي أن شمال إفريقيا لا يمكن أن يُفصل عن باقي المناطق الجغرافية الأخرى بإفريقيا، فعلى الرغم من أن عمر الإنسان العاقل قديم جدا بالنسبة لموقع جبل إيغود، إلا أنه لا يبتعد كثيرا في هذا التاريخ عما تم العثور عليه في جنوب أفريقيا وفي شرق إفريقيا، حيث ظهرت في الأسابيع الماضية معطيات جديدة بإثيوبيا، تبرز أن الإنسان العاقل هو أيضا قديم في تلك المنطقة، وحتى إن لم يصل عمره إلى 300 ألف سنة فإنه كان قريبا من هذا العمر.
ويطرح الباحث بوزوكار استنتاجا بهذا الخصوص مفاده أن اكتشاف جبل إيغود، يقدم فكرة حول أن نشأة الإنسان العاقل وموطنه الأصلي؛ وهو إفريقيا بشكل عام، بكل مناطقها، شمالها وغربها وجنوبها. وبذلك تم تجاوز سقف الفرضيات، ليتم تأكيد أن موطن الإنسان العاقل هو إفريقيا، وبأن شمال إفريقيا بشكل عام والمغرب بشكل خاص، لعب دورا كبيرا في بروز هذا الإنسان.
من جهته يقول عالم الآثار المختص بعلم الانسان القديم من المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بالرباط عبد الواحد بن نصر، وهو أحد الباحثين الذي أشرفوا على هذه الحفريات؛ أنه لطالما أُهمِل شمال أفريقيا في الدراسات المرتبطة بأصل الجنس البشري، ويضيف بن نصر في تصريح للمجلة "نيتشر ميدل إيست" العلمية بأن الاكتشافات في جبل إيغود تثبت الارتباط الوثيق للمغرب مع بقية إفريقيا في وقت ظهور الانسان العاقل.
الحمام يحرس بقايا التاريخ في تافوغالت
على بعد 55 كيلومترا شمال غرب مدينة وجدة بالشرق المغربي تقع مغارة الحمام وسط سلسلة جبال بني يزناسن. ففي مغارة تافوغالت أو مغارة الحمام، حيث ترقد الكثير من أسرار التاريخ، تم العثور على أقدم حمض نووي معروف للإنسان العاقل "هومو سابيانس" Homo Sapiens بإفريقيا على الإطلاق سنة 2018، تم استخراجه من هياكل عظمية يعود تاريخها إلى 15 ألف سنة. وكشفت نتائج الأبحاث بخصوص هذه الجينات وجود روابط مع إفريقيا جنوب الصحراء وخاصة غربها ومع شرق البحر الأبيض المتوسط. حلل الباحثون الجينات المستخرجة من تسعة هياكل بشرية عثر عليها بالمغارة، وتم التعرف بشكل دقيق على الجينوم الكامل لخمسة هياكل؛ ونظرا لعمر هذه العظام البشرية الذي يبلغ 15 ألف سنة، ولطبيعة المناخ بإفريقيا الذي لا يساعد على حفظ عينات الجينات القديمة، كان هذا الاكتشاف فريدا ولا نظير له في القارة.
ويؤكد الأستاذ عبد الجليل بوزوكار الذي كان يرأس الفريق العلمي الدولي المكتشف لأقدم آثار جينات إنسان عاقل بإفريقيا -يؤكد- في تصريح لـBAB بأن أهمية هذا الاكتشاف تكمن في كونه أقدم حمض نووي معروف للإنسان العاقل Homo Sapiens بإفريقيا، بمعنى أنه إذا كانت إفريقيا هي موطن الإنسان العاقل، فقد كانت المعرفة به مقتصرة على شكله ومظهره الخارجي، لكن هذا الاكتشاف ساهم في التعرف عليه من خلال طبيعة الجينات التي لا تتغير. وأكد أن هذا الحمض النووي المكتشف بمغارة الحمام يعد سابقة، ويعد الأقدم بهذه المنطقة للإنسان العاقل وبإفريقيا على الاطلاق، فرغم اكتشاف عينات حمض نووي في مناطق أخرى في جنوب إفريقيا وفي شرق إفريقيا، إلا أنها عينات لم يتعدى عمرها 8000 سنة. كما تكمن أهمية هذا الاكتشاف من جهة أخرى، يضيف عبد الجليل بوزوكار، في إبرازه أن شمال إفريقيا كانت مفتوحة على منطقة شرق المتوسط (بالضبط حيث تتواجد الآن دول لبنان وفلسطين والأردن وتركيا)، بمعنى أنه كانت هناك ممرات بشرية في الاتجاهين، والأهم وفق الباحث، والذي برز من خلال دراسة أو تفكيك شيفرة هذا الحمض النووي القديم، هو وجود علاقات مع غرب إفريقيا، بمعنى أن المغرب كان مفتوحا منذ القدم (على الأقل فيما يخص هذا الحمض النووي منذ 15 ألف سنة) على عمقه الافريقي الصحراوي، وكان مفتوحا على شرق البحر الأبيض المتوسط.
وأوضح في هذا الإطار أن من أهم نتائج هذا الاكتشاف هي أن شمال وغرب أفريقيا والشرق الأدنى، منذ نحو 15 ألف سنة، كانت مناطق مفتوحة للهجرات البشرية وتفاعلاتها المختلفة.
وقال مدير قسم الجينات الأثرية بمعهد ماكس بلانك لعلوم تاريخ الإنسان بينا بألمانيا، يوهانيس كراوز بخصوص هذا الاكتشاف الذي كان مشاركا رئيسيا في النشر العلمي بخصوصها -قال- إن الواضح أن روابط متينة جمعت بين مجموعات بشرية متباعدة بطريقة أقوى مما كان يُتصور، مؤكدا أن هذا المعطى وغيره من الأبحاث بهذه المنطقة سيساعد على إبراز وشرح مكان وزمان تلاقي هذه المجموعات البشرية.
أقدم آثار لاستقرار الانسان
مغارة الحمام شهدت أيضا سنة 2013 اكتشاف أول آثار تدل على الاستقرار البشري، وهو اكتشاف تم تأكيده وفق الأستاذ عبد الجليل بوزوكار في 2018 و2019 وتم نشر خلاصة كبرى عنه سنة 2020. وتكمن أهمية هذا الاكتشاف في أنه دحض "معلومات" تم تسجيلها فيما مضى، إذ كان يعتقد أن نمط العيش الذي تم اكتشافه دخيل على شمال إفريقيا بما فيها المغرب وشرق البحر الأبيض المتوسط، وهو اكتشاف يبرز وفق الباحث نفسه آثار الاستقرار البشري، بمعنى التخلي تدريجيا عن حياة الصيد وقطف الثمار في اتجاه الاستقرار.
والاستقرار المقصود هو الاستقرار في منطقة معينة والشروع في استغلال مواردها. والقول أن هذا الاكتشاف غير المعتقدات السابقة بخصوص أن نمط العيش هذا دخيل على هذه المناطق، يقوم على أن آثار الاستقرار البشري التي عثر عليها بمغارة الحمام بالمغرب تعود ل 15 ألف سنة، بمعنى أنها أقدم على الأقل بما بين 4 آلاف و 3 آلاف سنة من تلك المكتشفة بشرق البحر الأبيض المتوسط.
أقدم أثر للعصر الحجري القديم الأدنى بشمال إفريقيا
في يوليوز 2021 أعلن فريق بحث مغربي - فرنسي- إيطالي تمكنه من تأريخ بقايا لأطوار قديمة مكتشفة بموقع طوما 1 بالدار البيضاء، وأفاد المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بأن البقايا المكتشفة يبلغ عمرها مليونا و300 ألف سنة، وانها تنتمي إلى العصر الحجري القديم الأدنى في حقبة ما قبل التاريخ. ويعد هذا الاكتشاف من أقدم الاكتشافات الخاصة بالعصور الحجرية بشمال إفريقيا. كما كشف المعهد أن الدراسات التي أنجزت في طبقات السلسلة الجيولوجية مكنت فريق البحث ولأول مرة بشمال إفريقيا، من اقتراح إطار كرونو-استراتيغرافي (سلم للزمن الجيولوجي) عالي الدقة وتأريخ الأشولي القديم (الطور الأول للثقافة المادية الأشولية) بمليون و300 ألف سنة.
ويؤكد الأستاذ عبد الجليل بوزوكار بخصوص هذا الاكتشاف أنه اثبات آخر على أن شمال إفريقيا لم يكن منعزلا عن باقي مناطق افريقيا الاخرى التي عرفت ثورة في النشاط البشري القديم.
وكان الباحث في علم ما قبل التاريخ، عبد الرحيم محب قد أفاد في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، بأن هذا الاكتشاف جعل انظار العالم تتجه صوب منطقة الدار البيضاء بشكل خاص والمغرب بشكل عام، فيما يتعلق بالنقاش الدائر حول أصل الإنسان وتطور تقنياته، وثقافاته، وتنقلاته بين مختلف مناطق إفريقيا ثم نحو أوروبا وآسيا. ويشير الباحث عبد الرحيم محب إلى أنه بصرف النظر عن القيمة العلمية لهذا الاكتشاف، فإنه يموقع المغرب كمنطقة أساسية في شمال إفريقيا، لمعرفة ودراسة السكان الأوائل وأصولهم وتطورهم وهجراتهم.
حلي تكشف أقدم الاستعمالات الإنسانية للرموز
يشرح عالم الآثار عبد الجليل بوزوكار الذي كان أحد المشرفين على الأبحاث بمغارة بيزمون تفاصيل هذا الاكتشاف غير الاعتيادي، الذي يبرز توجه الإنسان في تلك الفترة إلى البحر الذي كان يبعد عن مكان العثور على هذه الصدفيات (مغارة بيزمون) بـ 50 كيلومترا. ولم يكن انتقال الإنسان إلى البحر ليجمع هذه الصدفيات عشوائيا، إذ يظهر الاكتشاف انتقاء الإنسان في تلك المناطق لنوع محدد من الصدفيات وهو نوع يسمى تريتيا جيبوسولا Tritia Gibbosula، ليقوم بعد جمعها بثقبها وطلائها بمغرة حمراء (مادة غنية بأوكسيد الحديد)، ثم ارتدائها على شكل قلادات أو أساور. ولهذا الاكتشاف وفق الأستاذ بوزوكار دلالات عديدة أبرزها أنها المرة الأولى التي يتم رصد تمكن الإنسان منذ 150 ألف سنة من جعل جسمه وذاته وعاء لأدوات يمكن أن نطلق عليها أدوات للزينة، ولا يمكن أن يقتصر التفسير بخصوص هذا الاكتشاف حول هذا المعطى، إذ يؤكد بوزوكار أنها أدوات لها معاني رمزية أخرى، بمعنى أنها إحالة على نوع من اللغة والتخاطب بين أفراد المجموعة الواحدة، أو مع مجموعات أخرى بعيدة أو قريبة منها.
وأشار إلى دلالة أخرى بارزة ترتبط بالعثور على صدفيات مماثلة بمناطق أخرى في المغرب لكن عمرها أقل، كتلك التي عثر عليها بمنطقة تمارة والتي تم تأريخها بـ116 ألف سنة وبالشرق المغربي في مغارة الحمام بتافوغالت والمؤرخة بـ 82 ألف سنة، عدا عن أخرى مكتشفة بموقع بالجزائر يسمى "واد جبانة"، حيث تم العثور على قوقعتين بحريتين، ولكن عمرهما لا يتجاوز 35 ألف سنة، كما تم العثور على قواقع مشابهة بشرق البحر الأبيض المتوسط بفلسطين وعمرها 135 ألف سنة. والملاحظ وفق بوزوكار أن عمر الصدفيات المكتشفة بالصويرة في مغارة بيزمون بعمر 150 ألف سنة يحيل على أن بروز هذا النوع من الأدوات كان في المغرب، عدا عن كون منطقة غرب المغرب وخصوصا الصويرة منطقة مفتوحة على العالم المتوسطي وعلى العمق الصحراوي المغربي في نفس الوقت، وليس اعتباطا وفق تعبيره أن يطلق على الصويرة "مرفأ تامبوكتو" نظرا للدور الذي لعبته خلال حقب مهمة من التاريخ.
ويشير بوزوكار إلى دلالة أخرى لهذا الاكتشاف إذ أنه بخلاف الأدوات الحجرية التي يصنعها الإنسان والتي تتطلب في إنجازها المعاينة فقط كالنقل مثلا، كأن نجد إنسان يصنع أداة معينة، ويلاحظ فرد من المجموعة ما يقوم به فرد آخر ليصنع أداة تشبهها، فإنه بالنسبة لأدوات مثل هذه (الصدفيات) التي يقوم الانسان بقطع مسافة بعيدة عن موطنه أو عن مكان سكنه لينتقيها بمهارة وثقبها وطلائها بمغرة حمراء ويرتديها، يتطلب الأمر نوعا من اللغة والتواصل. فشاطئ البحر يضم العديد من القواقع البحرية، لكن الإنسان في مختلف المناطق حيث تم العثور على هذه الصدفيات، قام بجمع نوع معين واحد من تلك القواقع.
هنا ينبغي التساؤل كما تساءل العلماء: أمام كل هذه المعطيات ألا يمكن أن نتساءل عن وجود مركز لانتشار هذا النوع من الأدوات والتي كان لها انعكاس على تاريخ البشرية؟ وهل يحيل ذلك على ظهور رموز وربما لغة لأول مرة في تاريخ البشرية ؟ إنها أسئلة تتصل مباشرة بأصل السلوك الرمزي البشري.
أدوات لصناعة الملابس عمرها 120 ألف سنة
في شتنبر الماضي تم الإعلان عن التوصل لنتائج بحث تهم أدوات حادة اكتشفت داخل "مغارة المهربين" نواحي تمارة، ويعود عمرها إلى ما قبل 120 ألف سنة.
العلماء أكدوا أنها أدوات تم استعمالها لسلخ جلود الحيوانات بغية استعمالها في صناعة الملابس، لتضم مغارة المهربين بذلك أقدم دليل على مصدر صناعة الألبسة، وما قد يجعل المغاربة أول من ابتكر اللباس من جلود وفراء الحيوانات.
وعن هذه الدراسة التي نشرتها مجلة iScience العلمية، قالت عالمة الآثار التطورية الألمانية إيملي هاليت بأن العلماء وجدوا أدوات مصنوعة من عظام الحيوانات، وحددوا علامات على عظام ثلاثة أنواع من الحيوانات آكلة اللحوم وهي: ابن آوى، والثعلب، والقطط البرية؛ ما يشير، إلى أنه تم سلخها من أجل الفراء وليس لأكلها. كما أن الفترة التي تنتمي إليها القطع المكتشفة تظهر فيها أدلة على استخدام الزينة وعلامات أخرى للتعبير الرمزي بين البشر في مواقع بحث أثرية أخرى، لكن لم يتم العثور على ملابس تعود إلى حقبة ما قبل التاريخ في الكهف.
وتشير الدراسة بخصوص هذه الأدوات إلى أنها أدوات تؤكد أن الإنسان العاقل بدأ في تعزيز استخدام العظام لصنع أدوات واستخدامها في مهمات محددة منذ 120 ألف عام، من بينها أعمال مرتبطة بالجلود والفراء.
ويطمح الباحثون إلى تحديد أنماط جلد مماثلة في المستقبل في التجمعات الأخرى التي تتم دراستها قصد فهم أصول السلوك البشري وعاداته في صناعة الملابس وانتشاره.
في الحاجة إلى جيل جديد من علماء الآثار
يدعوا الباحثون في مجال الأركيولوجيا بالمغرب في سياق توالي الاكتشافات خلال السنوات الأخيرة إلى العمل على الدفع بجيل جديد من الباحثين لمواكبة التقنيات الحديثة في هذا المجال.
ويرى الأستاذ عبد الجليل بوزوكار أن هذا المطلب مهم في إطار العمل على تكوين جيل جديد يواكب الأسئلة المطروحة من جهة، والعمل على تحيين المعلومات التي تخص التاريخ القديم للمغرب فيما يتعلق بالمؤلفات والكتب، وهو مجهود بدأه المغرب، خصوصا في الخارج كذلك، إذ أن كل هذه الاكتشافات تم نشرها في مجلات علمية مرموقة وصارمة فيما يهم نشر الدراسات والأبحاث العلمية.
كما يتم العمل على الانفتاح على المدارس الانجلوساكسونية لدورها المهم جدا خصوصا في البحث العلمي حاليا، وفي النشر العلمي للاكتشافات والدراسات المحررة بخصوصها.