تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الألعاب الإلكترونية.. ترفيه ومخاطر بالجملة

Par
مريم‭ ‬الرقيوق
ألعاب‭ ‬الفيديو © ومع/إبا
ألعاب‭ ‬الفيديو © ومع/إبا
الألعاب‭ ‬الإلكترونية‭ ‬ليست‭ ‬متعة‭ ‬وترفيه‭ ‬فقط،‭ ‬فهناك‭ ‬جانب‭ ‬مظلم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الصناعة‭ ‬يخلف‭ ‬مآس‭ ‬أسرية‭ ‬ومجتمعية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭. ‬من‭ ‬الإدمان‭ ‬إلى‭ ‬السلوكيات‭ ‬العدوانية‭ ‬ونشر‭ ‬الجنس‭ ‬والعنف‭ ‬وسط‭ ‬اليافعين‭ ‬والأطفال،‭ ‬تكبر‭ ‬أضرار‭ ‬هذه‭ ‬الألعاب،‭ ‬لعبة‭ ‬بعد‭ ‬لعبة،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬تزداد‭ ‬أرباح‭ ‬المطورين والناشرين‭.‬

تتعدد‭ ‬المآسي‭ ‬التي‭ ‬ارتبطت‭ ‬بألعاب‭ ‬الفيديو‭ ‬أو‭ ‬الألعاب‭ ‬الإلكترونية‭. ‬ففي‭ ‬المسيسيبي‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬أطلق‭ ‬طفل‭ ‬في‭ ‬التاسعة‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أيام‭ ‬مارس‭ ‬2018،‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬أخته‭ ‬التي‭ ‬رفضت‭ ‬تمكينه‭ ‬من‭ ‬ذراع‭ ‬اللعب‭ ‬فيما‭ ‬اضطرت‭ ‬إحدى‭ ‬الأسر‭ ‬في‭ ‬قسطلون‭ ‬الإسبانية،‭ ‬في‭ ‬شتنبر‭ ‬الماضي،‭ ‬إلى‭ ‬إدخال‭ ‬ابنها‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬15‭ ‬سنة‭ ‬المستشفى‭ ‬أملا‭ ‬في‭ ‬شفائه‭ ‬من‭ ‬إدمان‭ ‬لعبة‭ "‬فري‭ ‬فاير‭" (‬Free Fire‭) ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يقضي‭ ‬في‭ ‬لعبها‭ ‬20‭ ‬ساعة‭ ‬يوميا‭.‬

وفي‭ ‬القنيطرة‭ ‬المغربية‭ ‬توفي‭ ‬صبي‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬الماضي‭ ‬جراء‭ ‬تبعات‭ ‬انهيار‭ ‬عصبي‭ ‬حاد‭ ‬أصيب‭ ‬به‭ ‬بسبب‭ ‬الإدمان‭ ‬على‭ ‬اللعبة‭ ‬نفسها‭. ‬فقد‭ ‬بدت‭ ‬على‭ ‬اليافع‭ ‬نزعات‭ ‬انتحارية‭ ‬بعدما‭ ‬تمت‭ ‬قرصنة‭ ‬حسابه‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬صفرو‭ (‬غير‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬مدينة‭ ‬فاس‭) ‬فكانت‭ ‬اللعبة‭ ‬نفسها‭ ‬وراء‭ ‬مأساة‭ ‬أخرى‭ ‬حيث‭ ‬قتل‭ ‬يافع‭ ‬في‭ ‬الـ15‭ ‬سنة‭ ‬أيضا‭ ‬أمه‭ ‬خطأ‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬دفعها‭ ‬بقوة‭ ‬كرد‭ ‬فعل‭ ‬على‭ ‬رفضها‭ ‬مده‭ ‬بخمسة‭ ‬دراهم‭ ‬لشحن‭ ‬هاتفه‭ ‬المحمول‭ ‬والاستمرار‭ ‬في‭ ‬اللعب‭.‬

هذه‭ ‬المتفرقات‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬لا‭ ‬تمثل‭ ‬إلا‭ ‬جزء‭ ‬يسيرا‭ ‬من‭ ‬المآسي‭ ‬المرتبطة‭ ‬بهذا‭ ‬القدر‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬بألعاب‭ ‬الفيديو،‭ ‬تكشف‭ ‬جانبا‭ ‬مظلما‭ ‬لهذه‭ ‬الألعاب‭ ‬التي‭ ‬ترتبط‭ ‬في‭ ‬الأذهان‭ ‬بالترفيه‭ ‬والمتعة‭ ‬فيما‭ ‬هي‭ ‬قد‭ ‬تصبح‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬الإفراط‭ ‬في‭ ‬استخدامها‭ ‬سلاحا‭ ‬مدمرا‭ ‬للصحة‭ ‬الجسدية‭ ‬والنفسية‭ ‬للقاصرين‭ ‬بالخصوص‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تحقق‭ ‬فيه‭ ‬صناعة‭ ‬الترفيه‭ ‬الإلكتروني‭ ‬أرقاما‭ ‬قياسية‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الأصعدة،‭ ‬منها‭ ‬مداخيل‭ ‬تتجاوز‭ ‬300‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬وحوالي‭ ‬2‭.‬7‭ ‬مليار‭ ‬مستخدم‭ ‬عبر‭ ‬العالم،‭ ‬فإن‭ ‬السؤال‭ ‬يصبح‭ ‬ملحا‭ ‬حول‭ ‬مسؤوليات‭ ‬وواجبات‭ ‬الشركات‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬تجاه‭ ‬المستهلكين‭ ‬وأغلبهم‭ ‬من‭ ‬القصر‭.‬

والسؤال‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬فئة‭ ‬محدودة‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬يعني‭ ‬الجميع‭ ‬تقريبا،‭ ‬فمن‭ ‬منا‭ ‬لم‭ ‬يصب‭ ‬بالرعب‭ ‬وهو‭ ‬يكتشف‭ ‬أن‭ ‬ابنه‭ ‬أو‭ ‬ابن‭ ‬قريبه‭ ‬يلعب‭ ‬لعبة‭ ‬خطيرة‭ ‬كـ‭"‬فري‭ ‬فاير‭" (‬اللعبة‭ ‬الأكثر‭ ‬تحميلا‭ ‬على‭ ‬الهواتف‭ ‬المحمولة‭)‬،‭ ‬والتي‭ ‬تقوم‭ ‬فكرتها‭ ‬على‭ ‬سباق‭ ‬بين‭ ‬أصدقاء‭ ‬أصابهم‭ ‬الملل‭ ‬خلال‭ ‬عطلة‭ ‬فقرروا‭ ‬خوض‭ ‬سباق‭ ‬لقتل‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭ ‬أو‭ ‬كـ‭"‬جي‭ ‬تي‭ ‬إي‭" (‬GTA‭) ‬والتي‭ ‬يتحول‭ ‬فيها‭ ‬لاعبها‭ ‬إلى‭ ‬رجل‭ ‬عصابات‭ ‬يطلق‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يصادفه،‭ ‬كان‭ ‬طفلا‭ ‬أو‭ ‬أمرأة‭ ‬أو‭ ‬رجلا،‭ ‬قصد‭ ‬تجريده‭ ‬من‭ ‬أمواله‭. ‬هذا‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬مشاهد‭ ‬الخلاعة‭ ‬التي‭ ‬تتضمنها‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المغامرات‭ ‬الإلكترونية‭.‬

 

عنف‭ ‬وجنس‭ ‬وعنصرية‭.. ‬هل‭ ‬هي‭ ‬سوق‭ ‬أم‭ ‬غابة؟

 

هل‭ ‬تبذل‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬التي‭ ‬تعرف‭ ‬جيدا‭ ‬كيف‭ ‬تحقق‭ ‬أرباحا‭ ‬خيالية،‭ ‬جهدا‭ ‬ولو‭ ‬بسيطا‭ ‬لتخليص‭ ‬ألعابها‭ ‬الموجهة‭ ‬لأطفال‭ ‬أبرياء‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عنف‭ ‬وبورنوغرافيا‭ ‬وعنصرية؟‭ ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬جهة‭ ‬ما‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬محاسبة‭ ‬هذه‭ ‬الشركات؟‭ ‬إنها‭ ‬أسئلة‭ ‬بدون‭ ‬أجوبة‭ ‬حسب‭ ‬السيد‭ ‬مروان‭ ‬هرماش‭ ‬المختص‭ ‬في‭ ‬التواصل‭ ‬الرقمي‭ ‬والشبكات‭ ‬الاجتماعية‭.‬

إنها‭ ‬شركات‭ ‬تعمل‭ ‬أساسا‭ ‬وفق‭ ‬مخططات‭ ‬تسويقية،‭ ‬يقول‭ ‬السيد‭ ‬هرماش،‭ ‬فهدف‭ ‬تحقيق‭ ‬أكبر‭ ‬ربح‭ ‬ممكن‭ ‬يسمو‭ ‬على‭ ‬اية‭ ‬اعتبارات‭ ‬بيداغوجية‭ ‬أو‭ ‬أخلاقية‭.‬‭ ‬ويضيف‭ ‬المختص‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الرقمي‭ "‬عندما‭ ‬تطور‭ ‬شركة‭ ‬ما‭ ‬لعبة‭ ‬جديدة‭ ‬فإن‭ ‬هدفها‭ ‬الوحيد‭ ‬هو‭ ‬استقطاب‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬اللاعبين‭ (‬المستهلكين‭) ‬وبالتالي‭ ‬تحقيق‭ ‬أكبر‭ ‬ربح‭ ‬ممكن‭. ‬آخر‭ ‬انشغالات‭ ‬هؤلاء‭ ‬المطورين‭ ‬هو‭ ‬ضمان‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تقع‭ ‬منتوجاتهم‭ ‬المصنفة‭ ‬كألعاب‭ ‬لمن‭ ‬تفوق‭ ‬أعمارهم‭ ‬16‭ ‬سنة،‭ ‬لاحتوائها‭ ‬على‭ ‬مضامين‭ ‬عنف‭ ‬وعري،‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬طفل‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬الثامنة‭".‬

وتكون‭ ‬لهذه‭ ‬اللامبالاة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بتصنيف‭ ‬الألعاب‭ ‬حسب‭ ‬الفئات‭ ‬المستهدفة‭ ‬وعدم‭ ‬التقيد‭ ‬بهذا‭ ‬التصنيف،‭ ‬تبعات‭ ‬كارثية‭ ‬كما‭ ‬تؤكد‭ ‬ذلك‭ ‬السيدة‭ ‬إيمان‭ ‬القنديلي‭ ‬في‭ ‬حديثها‭ ‬لمجلة‭ "‬BAB‭"‬،‭ ‬وهي‭ ‬الخبيرة‭ ‬في‭ ‬علاج‭ ‬أنواع‭ ‬الإدمان‭ ‬ومؤلفة‭ ‬كتاب‭ ‬حول‭ ‬مخاطر‭ ‬إدمان‭ ‬المخدرات‭.‬

وتضيف‭ ‬السيدة‭ ‬القنديلي‭ ‬أنها‭ ‬استقبلت‭ ‬آباء‭ ‬أطفال‭ ‬ظهرت‭ ‬عليهم‭ ‬سلوكيات‭ ‬عدوانية‭ ‬أحيانا‭ ‬أو‭ ‬مرتبطة‭ ‬بانهيار‭ ‬عصبي‭ ‬أحيانا‭ ‬أخرى،‭ ‬نتيجة‭ ‬عدم‭ ‬احترام‭ ‬التصنيف‭ ‬العمري‭ ‬للألعاب‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬مؤكدة‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الضحايا‭ ‬يكونون‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬للتكفل‭ ‬في‭ ‬مؤسسات‭ ‬استشفائية‭.‬

وبالنسبة‭ ‬للسيد‭ ‬هرماش،‭ ‬فإن‭ ‬سوق‭ ‬الألعاب‭ ‬الإلكترونية‭ ‬لا‭ ‬يكترث‭ ‬بقواعد‭ ‬المسؤولية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للمقاولات‭ ‬لسببين‭ ‬اثنين‭ "‬أولهما‭ ‬يتعلق‭ ‬بعدم‭ ‬وجود‭ ‬أي‭ ‬رهان‭ ‬سياسي‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬تقنين‭ ‬القطاع،‭ ‬فالأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بأطفال‭ ‬ومراهقين‭ (‬وحتى‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬البالغين‭) ‬يلهون‭ ‬وهم‭ ‬منزوون‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتسببوا‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬ضرر‭ ‬لأي‭ ‬كان‭. ‬أما‭ ‬ثاني‭ ‬الأسباب‭ ‬فيرتبط‭ ‬بالطبيعة‭ ‬المعقدة‭ ‬والحرية‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬السوق‭ ‬والتي‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬فرض‭ ‬أي‭ ‬مراقبة‭ ‬أو‭ ‬تقنين‭ ‬فعال‭".‬

لقد‭ ‬أصبح‭ ‬مجال‭ ‬الألعاب‭ ‬جنة‭ ‬المطورين‭ ‬الباحثين‭ ‬عن‭ ‬مراكمة‭ ‬الأموال‭ ‬دون‭ ‬حسيب‭ ‬أو‭ ‬رقيب‭ (‬باستثناء‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالضرائب‭)‬،‭ ‬وغابة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للاعبين‭ ‬الذين‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬اللعب‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭ ‬ولا‭ ‬قيود‭ ‬على‭ ‬السن‭ ‬أو‭ ‬حماية‭ ‬من‭ ‬المضامين‭ ‬غير‭ ‬الملائمة‭ ‬ومن‭ ‬الرسائل‭ ‬غير‭ ‬الظاهرة‭ ‬التي‭ ‬تحملها‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الألعاب‭ ‬مع‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬محايدة‭ ‬للوهلة‭ ‬الأولى‭.‬

إن‭ ‬أحد‭ ‬المظاهر‭ ‬السلبية،‭ ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬خطورة‭ ‬عن‭ ‬غيره،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الألعاب‭ ‬هو‭ ‬كونها‭ ‬تتيح‭ ‬ولوجا‭ ‬حرا‭ ‬وغير‭ ‬محدود‭ ‬زمنيا‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يسبب‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الادمان‭ ‬والارتهان‭ ‬للعب‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يحمله‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬مدمرة‭ ‬للأطفال‭ ‬والمراهقين‭ ‬وبالتبعية‭ ‬لأسرهم‭ ‬أيضا‭.‬

تقول‭ ‬الخبيرة‭ ‬القنديلي‭ ‬التي‭ ‬سجلت‭ ‬ارتفاعا‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬الإدمان‭ ‬التي‭ ‬عرضت‭ ‬عليها‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬الحجر‭ ‬الصحي‭ "‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الضرر‭ ‬يتجسد‭ ‬حسب‭ ‬الحالات‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬السلوكيات‭ ‬المرضية‭ ‬كالانعزال‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬والاضطرابات‭ ‬في‭ ‬النوم‭ ‬والتغذية،‭ ‬وصعوبات‭ ‬في‭ ‬التحصيل‭ ‬المدرسي،‭ ‬وانهيار‭ ‬عصبي،‭ ‬وعدوانية‭ ‬وعلاقات‭ ‬متوترة‭ ‬مع‭ ‬الوسط‭ ‬الأسري‭".‬

ومن‭ ‬البديهي‭ ‬أن‭ ‬شركات‭ ‬تطوير‭ ‬الألعاب‭ ‬الإلكترونية‭ ‬تتحمل‭ ‬نصيبا‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الإدمان‭ ‬والارتهان‭ ‬للعب‭ ‬والأضرار‭ ‬التي‭ ‬يخلفها‭. ‬فوراء‭ ‬كل‭ ‬لعبة‭ ‬جديدة‭ ‬تطرح‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬جيش‭ ‬من‭ ‬مؤلفي‭ ‬سيناريوهات‭ ‬اللعب‭ ‬والمصممين‭ ‬وخبراء‭ ‬الغرافيك‭ ‬والتقنيين،‭ ‬وكلهم‭ ‬يعملون‭ ‬ليل‭ ‬نهار‭ ‬حتى‭ ‬تكون‭ ‬اللعبة‭ ‬أكثر‭ ‬إغراء‭ ‬وجاذبية‭ ‬بما‭ ‬يجعل‭ ‬المستهلك‭/‬اللاعب‭ ‬يقضي‭ ‬أطول‭ ‬وقت‭ ‬ممكن‭ ‬أمام‭ ‬الشاشة‭ ‬وكأنه‭ ‬ضحية‭ ‬تنويم‭ ‬مغناطيسي‭.‬

 

ألعاب‭ ‬MMOG‭... ‬مخدرات‭ ‬حسب‭ ‬الطلب‭ ‬

 

وتشير‭ ‬أصابع‭ ‬الاتهام‭ ‬بالخصوص‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬محدد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الألعاب‭ ‬والمعروف‭ ‬بـ‭"‬MMOG‭"‬،‭ ‬وهي‭ ‬الألعاب‭ ‬التي‭ ‬تمكن‭ ‬بفضل‭ ‬الارتباط‭ ‬بشبكة‭ ‬الانترنيت‭ ‬عددا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬من‭ ‬التنافس‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة‭. ‬وبعض‭ ‬هذه‭ ‬الألعاب‭ ‬يتيح‭ ‬للمستخدمين‭ ‬إمكانية‭ ‬التحدث‭ ‬أو‭ ‬المراسلة‭ ‬الفورية‭ ‬مما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬التشويق‭ ‬والإثارة‭. ‬

ففي‭ ‬لعبة‭ "‬Empire‭" ‬مثلا‭ ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬إطلاقها‭ ‬منذ‭ ‬1974،‭ ‬فإن‭ ‬جولة‭ ‬واحدة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تجمع‭ ‬32‭ ‬لاعبا‭. ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬استدامة‭ ‬الإقبال‭ ‬على‭ ‬اللعب‭ ‬فإن‭ ‬المطورين‭ ‬يلجأون‭ ‬إلى‭ ‬تقنيات‭ ‬وأساليب‭ ‬أخرى‭ ‬مبتكرة،‭ ‬ومنها‭ ‬الإصدار‭ ‬المنتظم‭ ‬لنسخ‭ ‬محسنة‭ ‬من‭ ‬اللعبة‭ ‬الاصلية‭ ‬أو‭ ‬لملحقات‭ ‬جديدة‭ ‬لها،‭ ‬وبهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬فإن‭ ‬اللاعب‭ ‬يشعر،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يدري،‭ ‬بحاجة‭ ‬للرفع‭ ‬من‭ "‬جرعة‭" ‬اللعب‭ ‬حتى‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬الإدمان‭ ‬أو‭ "‬الجرعة‭ ‬القاتلة‭".‬

ومع‭ ‬ظهور‭ "‬cloud gaming‭" ‬أي‭ ‬الولوج‭ ‬إلى‭ ‬الألعاب‭ ‬عبر‭ ‬مصدر‭ ‬سحابي‭ ‬أو‭ "‬اللعب‭ ‬السحابي‭" ‬وكذا‭ ‬العملات‭ ‬الرقمية،‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬تحويلها‭ ‬إلى‭ ‬عملات‭ ‬متداولة‭ ‬والعكس،‭ ‬والتي‭ ‬تستخدم‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الألعاب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬اقتناء‭ ‬تجهيزات‭ ‬جديدة‭ ‬أو‭ ‬اسلحة‭ ‬أو‭ ‬شخصيات،‭ ‬فإن‭ ‬خطر‭ ‬الإدمان‭ ‬على‭ ‬اللعب‭ ‬يزداد‭ ‬ويأخذ‭ ‬أبعادا‭ ‬مقلقة‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭.‬

في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬المعطيات‭ ‬والحقائق‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نخلص‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ألعابا‭ ‬أكثر‭ ‬تسببا‭ ‬في‭ ‬الإدمان‭ ‬من‭ ‬غيرها؟‭ ‬الخبراء‭ ‬الأمريكيون‭ ‬منقسمون‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬وقد‭ ‬أكدت‭ ‬دراسة‭ ‬نشرت‭ ‬في‭ "‬Journal of Child and Adolescent Psychiatry‭" ‬وجود‭ ‬احتمال‭ ‬كبير‭ ‬للإدمان‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬يلعبون‭ ‬لعبة‭ "‬فورت‭ ‬نايت‭" (‬Fortnite‭) ‬مثلا‭ ‬وذلك‭ ‬بالنظر‭ ‬لعدة‭ ‬خصائص‭ ‬في‭ ‬اللعبة‭ ‬الشهيرة‭ ‬ومنها‭ "‬فرض‭ ‬مهلة‭ ‬محددة‭ ‬لرفع‭ ‬التحدي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرحلة،‭ ‬وخلق‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬خسارة‭ ‬التقدم‭ ‬المحقق،‭ ‬والولوج‭ ‬إلى‭ ‬البث‭ ‬المباشر‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬الآخرين‭ ‬من‭ ‬التعليق‭ ‬وإبداء‭ ‬الرأي‭ ‬في‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬والتقنيات‭ ‬المستخدمة‭" ‬في‭ ‬المعارك‭ ‬الوهمية‭.‬

وعلى‭ ‬عكس‭ ‬ذلك‭ ‬تذهب‭ ‬السيدة‭ ‬القنديلي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬بتاتا‭ ‬بنوع‭ ‬اللعبة‭ ‬بل‭ ‬بالطريقة‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬بها‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬اللعب‭ ‬والحيز‭ ‬الزمني‭ ‬المخصص‭ ‬له‭. ‬وتقول‭ ‬الخبيرة‭ "‬يجب‭ ‬التساؤل‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬تأثير‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يقضيه‭ ‬الشخص‭ ‬أمام‭ ‬الشاشة‭ ‬على‭ ‬حياته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وعلاقاته‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬اللعب‭ ‬بهذه‭ ‬الوتيرة‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬يجعل‭ ‬اللاعب‭ ‬أكثر‭ ‬دينامية‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬عزلة‭ ‬وعدوانية‭..."‬

في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال،‭ ‬فإن‭ ‬الاستهلاك‭ ‬المفرط‭ ‬للشاشات‭ ‬والتعرض‭ ‬للمضامين‭ ‬غير‭ ‬الملائمة‭ ‬أصبحا‭ ‬من‭ ‬سمات‭ ‬العصر‭ ‬تماما‭ ‬كاللامبالاة‭ ‬التي‭ ‬يبديها‭ ‬ويدافع‭ ‬عنها‭ ‬مطورو‭ ‬الألعاب‭ ‬وناشروها‭ ‬وعدم‭ ‬وعي‭ ‬الآباء‭ ‬والغياب‭ ‬التام‭ ‬لدور‭ ‬المدرسة‭.‬

في‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تربية‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬الألعاب‭ ‬الإلكترونية

 

بعد‭ ‬هذا‭ ‬التشخيص‭ ‬يبقى‭ ‬السؤال‭ ‬الأهم‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬المرتبط‭ ‬بالحلول‭ ‬الممكنة‭ ‬لتفادي‭ ‬هذه‭ ‬الانزلاقات‭. ‬ما‭ ‬العمل‭ ‬ومن‭ ‬هو‭ ‬المخاطب‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬مخرج‭ ‬ينقذ‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬تحولوا‭ ‬إلى‭ ‬شبه‭ ‬رهائن‭ ‬في‭ ‬غابة‭ ‬الألعاب‭ ‬الإلكترونية‭.‬

الآراء‭ ‬الأكثر‭ ‬راديكالية‭ ‬تعتبر‭ ‬أن‭ ‬السلطات‭ ‬العمومية‭ ‬مدعوة‭ ‬للتدخل‭ ‬وبقوة‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬التي‭ ‬قررت‭ ‬السلطات‭ ‬فيها‭ ‬تحديد‭ ‬مدة‭ ‬اللعب‭ ‬في‭ ‬ساعة‭ ‬واحدة‭ ‬يوميا‭ ‬أيام‭ ‬الجمعة‭ ‬والسبت‭ ‬والأحد‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الثامنة‭ ‬والتاسعة‭ ‬مساء،‭ ‬أي‭ ‬بمعدل‭ ‬ثلاث‭ ‬ساعات‭ ‬أسبوعيا‭.‬

آخرون‭ ‬يتساءلون‭ ‬عن‭ ‬جدوى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التدخلات‭ ‬الرقابية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الثورة‭ ‬الرقمية‭ ‬والتطور‭ ‬الحاصل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الاتصالات‭ (‬الجيل‭ ‬الخامس‭) ‬وغيرها‭.‬

وبالنسبة‭ ‬للسيد‭ ‬هرماش‭ ‬فإن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المقاربة‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬ما‭ ‬يبررها‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬مثل‭ ‬الصين‭ ‬حيث‭ ‬يتجاوز‭ ‬استهلاك‭ ‬الألعاب‭ ‬الإلكترونية‭ ‬المعدل‭ ‬العالمي‭ ‬بكثير،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬يعتبر‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الممكن‭ ‬نقل‭ ‬هذه‭ ‬الآلية‭ ‬الرقابية‭ ‬إلى‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى‭ ‬وهو‭ ‬يقترح‭ ‬عوض‭ ‬ذلك‭ ‬تنظيم‭ ‬ورشات‭ ‬تكوين‭ ‬موجهة‭ ‬لليافعين‭ ‬والشباب‭ ‬وأسرهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تربية‭ ‬رقمية‭ ‬والتحسيس‭ ‬بالمخاطر‭ ‬التي‭ ‬يحملها‭ ‬العالم‭ ‬الافتراضي‭ ‬عموما‭ ‬وعالم‭ ‬الألعاب‭ ‬الإلكترونية‭ ‬بالتحديد‭.‬

ويوضح‭ ‬السيد‭ ‬هرماش‭ ‬موقفه‭ ‬هذا‭ ‬بالقول‭ "‬في‭ ‬ظل‭ ‬لا‭ ‬مبالاة‭ ‬الشركات‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭ ‬وغياب‭ ‬إرادة‭ ‬لدى‭ ‬السياسيين‭ ‬للتعاطي‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬وضعف‭ ‬ومحدودية‭ ‬التحرك‭ ‬الفردي،‭ ‬فإنه‭ ‬يتعين‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬النهوض‭ ‬بمبادرات‭ ‬مواطنة‭ ‬تشمل‭ ‬الأسر‭ ‬والمدرسة‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدني‭. ‬إنه‭ ‬في‭ ‬نظري‭ ‬أحد‭ ‬المفاتيح‭".‬

إنه‭ ‬الرأي‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬يتبناه‭ ‬محمد‭ ‬أبوتاج‭ ‬الدين‭ ‬المستشار‭ ‬في‭ ‬البيداغوجيا‭ ‬التقنية‭ ‬والمدرس‭ ‬المتعاقد‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬تكوين‭ ‬مفتشي‭ ‬التعليم،‭ ‬حيث‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬للمجلة‭ "‬مسؤولية‭ ‬مكافحة‭ ‬الأضرار‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬الألعاب‭ ‬الإلكترونية‭ ‬موزعة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الفاعلين‭ ‬الثلاثة،‭ ‬أي‭ ‬الأباء‭ ‬والمدرسة‭ ‬والمجتمع‭/ ‬الدولة‭".‬

وتابع‭ "‬كخطوة‭ ‬أولية‭ ‬وضرورية‭ ‬يتعين‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬أن‭ ‬تشجع‭ ‬الأبحاث‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬والتواصل‭ ‬حول‭ ‬نتائجها‭ ‬والتحسيس‭ ‬بمختلف‭ ‬جوانب‭ ‬الموضوع‭.‬

ثم‭ ‬هناك‭ ‬دور‭ ‬المدرسة‭ ‬التي‭ ‬يتعين‭ ‬أن‭ ‬يفكر‭ ‬القائمون‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬الطريقة‭ ‬المثلى‭ ‬لاستثمار‭ ‬نتائج‭ ‬هذه‭ ‬الأبحاث‭ ‬والسياق‭ ‬الملائم‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬الأطفال‭ ‬من‭ ‬استيعاب‭ ‬خلاصاتها‭. ‬أما‭ ‬الآباء‭ ‬فيتعين‭ ‬أن‭ ‬يستفيدوا‭ ‬من‭ ‬مواكبة‭ ‬وتحسيس‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مختصين‭ ‬حتى‭ ‬يقوموا‭ ‬بدورهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬الوضع‭ ‬الراهن‭ ‬فإن‭ ‬الكرة‭ ‬تظل‭ ‬في‭ ‬ملعب‭ ‬الأسر‭ ‬والمدرسة،‭ ‬فعلى‭ ‬غرار‭ ‬التربية‭ ‬الوطنية‭ ‬يمكن‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬إرساء‭ ‬تربية‭ ‬رقمية‭ ‬للشباب‭ ‬وأسرهم‭ ‬حتى‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬امتلاك‭ ‬الأدوات‭ ‬اللازمة‭ ‬لتطوير‭ ‬حماية‭ ‬ذاتية‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬عالم‭ ‬مفتوح‭ ‬وفوضوي‭ ‬كعالم‭ ‬الألعاب‭ ‬الإلكترونية‭.‬

 

ويجب‭ ‬دائما‭ ‬استحضار‭ ‬أن‭ ‬مستقبل‭ ‬وصحة‭ ‬أبنائنا‭ ‬ليست‭ ‬بالتأكيد‭ "‬لعبة‭".‬