
دخل الأردن مئويته الثانية، بتدشين مرحلة جديدة ضمن مسارات الإصلاح السياسي الشامل، الذي يعد مطلبا وطنيا من أجل بناء نموذج ديمقراطي يعبر عن إرادة سياسية ومصلحة وطنية، بما يعزز الهوية الجامعة ومسيرة التنمية والتحديث.
هذه المرحلة الجديدة، انطلقت مع تعيين العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في العاشر من يونيو الماضي، اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية برئاسة رئيس الوزراء الأسبق، سمير الرفاعي، كتعبير عن عزم أعلى سلطة في البلاد، على إحداث نقلة نوعية في الحياة السياسية والبرلمانية، من خلال ارساء إطار تشريعي يؤسس لحياة حزبية فاعلة، قادرة على إقناع الناخبين باقتراحاتها، للوصول إلى برلمان قائم على الكتل والتيارات البرامجية، والتأسيس لمرحلة متقدمة في أسلوب ممارسة السلطة التنفيذية لمسؤولياتها استنادا لقواعد وأحكام الدستور الأردني.
نقاش موسع
عملت اللجنة التي فتحت نقاشات موسعة مع كافة أطياف المجتمع الأردني، من أجل التوصل إلى رؤية موحدة لإصلاح سياسي، ضمن تفاهمات وأسس حوار بناء وفعال، وكانت الركيزة الأساسية هي التعددية والشمولية والاستماع لجميع الآراء، والابتعاد عن أي تجاذبات سياسية إقصائية، وكان عملها تمرينا ديمقراطيا بامتياز، بحسب رئيس اللجنة، وخاصة القدرة على إدارة التعددية والاختلافات والوصول للتوافقات في سبيل بناء النموذج الديمقراطي الأردني.
وتضمن تقرير اللجنة في ختام أعمالها مشروعي قانونين جديدين للانتخاب وللأحزاب السياسية، ومقترحات لتعديلات دستورية متصلة حكما بالقانونين وآليات العمل النيابي، إضافة إلى توصيات متعلقة بتطوير التشريعات الناظمة للإدارة المحلية، وتوسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار، وتهيئة البيئة التشريعية والسياسية، الضامنة لدور الشباب والمرأة في الحياة العامة.
ومن شأن مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، والتي أقرت الحكومة تصورها النهائي وعرضتها على البرلمان، الإسهام في إحداث تطور ملموس في الأداء النيابي، القائم على العمل الحزبي البرامجي، والانتقال من العمل الفردي إلى الفعل الجماعي المؤثر، في إطار عملية التحديث والتطوير المتواصلة والمستمرة.
وتشكل هذه المنظومة، بحسب العاهل الأردني، مرحلة جديدة ومفصلية ضمن مسارات تحديث الدولة الأردنية في مطلع مئويتها الثانية، والتي تمضي بشكل متواز مع الإصلاحات الاقتصادية والإدارية التي تعمل الحكومة على تنفيذها.
ترقب شعبي
يرى محللون ومتتبعون للشأن الأردني أن مشروع الإصلاح السياسي يعد محل إجماع وطني، بما يعزز مكانة وقوة المملكة، ويحقق بنفس الوقت تطلعات جيل الشباب في المشاركة في القرار الوطني ويوسع دور المرأة في الحياة السياسية بما يفضي إلى تقوية الجبهة الداخلية وتعزيز الوحدة الوطنية والحفاظ على الهوية السياسية ضمن رؤية استراتيجية واضحة لمملكة قوية ونظام سياسي متجدد وقادر على قيادة السفينة إلى بر الأمان.
وقال جمال الشلبي، الأستاذ الجامعي الأردني، في تصريح لمجلة BAB، إنه من الواضح بأن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، قد وصل إلى نتيجة مفادها بأن الأحزاب السياسية بكافة توجهاتها الايديولوجية يجب أن تشارك في القرار السياسي، من خلال تأسيس أحزاب سياسية على قاعدة قانونية وشعبية صلبة من ناحية، وأن تكون هناك انتخابات رسمية ودورية، تقود الحزب الفائز بالانتخابات ليشكل حكومة من رحم هذه الانتخابات من ناحية ثانية.
وأضاف أن اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية جاءت لتضع هذه الأفكار موضوع النقاش أولا، والتنفيذ ثانيا، من خلال شخصيات تمثل كافة شرائح وطبقات المجتمع السياسية والاقتصادية والأكاديمية والدينية، كي تصبح طروحات هذه اللجنة أكثر تعبيرا عن القيادة والشعب في آن واحد.
واستطرد قائلا إن "اللجنة حاولت أن تؤطر العمل السياسي للمرحلة المستقبلية القادمة، بالاهتمام بمواضيع تمثل وجهات نظر شرائح المجتمع المختلفة، ونخبه المختلفة مثل دور الشباب، ومكانة المرأة ودورها السياسي، واحترام الدستور، وبناء دولة مدنية، ودولة المؤسسات والقانون، وغيرها من المفاهيم التي يحتاجها القائم بالإصلاح لتنفيذ مشاريعه السياسية في المستقبل".
وقال أيضا إنه "على الرغم من توقع البعض فشل هذه اللجنة الملكية، بالإشارة إلى أن الأردن لديه ترسانة من المرجعيات القانونية والسياسية لبناء عملية سياسية أردنية سلمية، إلا أن تعهد الملك بتذليل كل العقبات التي قد تواجهها، دفعت الجميع إلى التفكير بنفس الطريقة، وبنفس الاحساس، من أجل السير نحو ديمقراطية قادمة".
وخلص إلى التعبير عن اعتقاده بأن "قطار الاصلاح السياسي"، بدأ يشق طريقه، على الرغم من المشاكل المرافقة له مثل جائحة كورونا، والأوضاع الاقتصادية الصعبة، لا سيما بعدما أعطى الملك عبد الله الثاني، الضوء الأخضر ليس فقط بالمشاركة فيه، بل وبناء تنمية سياسية شاملة وعميقة، تقود المجتمع والدولة الأردنية نحول المستقبل المنشود.
وتبقى المرحلة المقبلة بعد صدور مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، مهمة لترجمة هذه المخرجات إلى تشريعات وممارسة حزبية قائمة على البرامج.