
تنتمي إيمان بلمقدم، التي تقطن بستوكهولم منذ زهاء سبع سنوات، لفئة مميزة من المغاربة، الواثقين من أنفسهم، والذين نجحوا في الاندماج السلس ببلد الاستقبال، مع إصرارهم الراسخ على تعزيز إشعاع قيم ورموز الوطن الأم.
مسار التكوين وخيارات المهنة والأسرة وبلد الاستقبال
ففي وقت مبكرة، تأثرت إيمان الصغيرة التي ولدت لأب مهندس وأم فنانة تشكيلية، هي فاطمة الحجاجي، بالروائح والألوان والنداء البعيد للأشعار.
ومنذ سن الخامسة عشرة، كانت وراء مشاريع ثقافية مخصصة للشباب بمسقط رأسها الرباط، "المدينة التي تسكنني، حتى لو لم أكن أقطنها"، هكذا قالت في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، بنبرة ملؤها الحنين.
إنها امرأة سمراء، في عقدها الثلاثين، ذات شعر متطاير، وابتسامة مشرقة، وصوت رقيق تحكي عبره بلطف كيف أنها اختارت التوجه إلى كندا، بعد حصولها على دبلوم جامعي في التسويق والتواصل بالمغرب، سنة 2010.
وفي أوتاوا، تابعت دراستها في تسيير وسائل الإعلام، والتنشيط الإذاعي والتلفزيوني، لتسير في اتجاه تنظيم التظاهرات، قبل أن تقوم بتنشيط برنامج أسبوعي على راديو "سونتر فيل دو مونريال". وبحكم تخصصها المتعلق بالإشراف على التنسيق، الإنتاج، الإخراج والبث، اكتشفت في نفسها ملكة مسيرة للتظاهرات، حيث نظمت ونشطت أحداثا ثقافية، مهرجانات، حفلات موسيقية وغيرها من الأحداث.
وقالت "في العام 2014 التقيت برجل حياتي. محمد البقالي، مهندس مغربي يعمل لدى شركة إريكسون، حيث حصل على ترقية مهنية في السويد، وكان علي بطبيعة الحال أن ألتحق به في ستوكهولم". وما لبثت إيمان التي كانت حاملا بابنها البكر آدم (الذي سيبلغ من العمر ست سنوات قريبا)، بعزيمة لا متناهية، أن تعلمت اللغة السويدية، من دون التخلي عن شغفها القديم: الثقافة، تنظيم التظاهرات والتواصل. فبعد كل شيء، أليست زوجة مهندس اتصالات؟.
فمن خلال المراهنة على تجربتها كسيدة تواصل بالفطرة، وإتقانها لأربع لغات تتحدثها بطلاقة (العربية، الفرنسية، الإنجليزية والسويدية)، ها هي تخوض غمار تجربة جديدة في الأرض الاسكندنافية.
بلمقدم وعالم الموضة المنفتح على ثقافات أوروبا وإفريقيا
النتيجة واضحة. في شتنبر الماضي، كانت إيمان الممثلة الرسمية لأول وأكبر أسبوع دولي رقمي للموضة في العالم أطلقته القناة الأمريكية الشهيرة "إف. إن إل نيتوورك"، وأيضا الممثلة الرسمية لمملكة السويد ودول شمال إفريقيا في المجلس الأوروبي للموضة (أوروبيين فاشن كاونسل).
واستقطبت هذه التظاهرة، أكبر الأسماء في عالم الموضة مثل سالفاتور فيراغامو، دسكوارد 2، إليزابيتا فرانشي، كريستيان سيريانو، ألبرتا فيريتي، "ذا بلوندس" وغيرهم كثير.
وقالت "ما يجعلني أكثر شعورا بالفخر هو أن أكون قادرة على تقديم ومنح الفرصة للمصممين والعلامات التجارية المغربية للمشاركة إلى جانب أكبر العلامات العالمية"، موضحة أن أزمة فيروس كورونا علمت المهنيين العمل بشكل مختلف وتوسيع مجال خدماتهم وأفكارهم ومشاريعهم، من خلال الانفتاح أيضا على المجال الرقمي.
وفي هذا السياق بالتحديد، يندرج تنظيم نسخة افتراضية لأيام ستوكهولم الدولية للموضة الرقمية، التي أطلقتها "إنتر آرت"، وهي شركة لتنظيم التظاهرات والعلاقات العامة أسستها السيدة بلمقدم.
وشكل هذا المفهوم "الفريد في السويد"، والذي يتجسد من خلال عرض أزياء ومعرض مخصص لتعزيز الاستدامة، فرصة بالنسبة لها للبرهنة على أن "أساليب التنمية المستدامة، السائدة حاليا في العالم بأسره، لاسيما في الدول الأسكندنافية، تم تطبيقها منذ مدة جد طويلة من قبل أسلافنا في المغرب".
الثقافة المغربية ملء الوجدان والشوق للوطن حكايات لا تنتهي
الدليل على ذلك -تقول السيدة بلمقدم- هو الاهتمام الممنوح لتظاهرة "عندما تلتقي الموسيقى بالموضة ما وراء الحدود"، التي نظمت في نونبر الماضي بستوكهولم، حيث تم الاحتفاء بالمغرب من خلال عرض لعلامة "ترغالت ستوكهولم".
وبحسبها، فإن الأمر يتعلق بماركة أزياء مغربية-سويدية ناشئة تبحر بين ثقافتين، "بفضل تصاميمها المميزة، وقطعها المنسوجة يدويا وألوانها المتوهجة". وتعمل المجموعة كتجسيد مرئي للتراث المغربي والعمارة في ستوكهولم، لاسيما المنازل الملونة بالعاصمة السويدية. وبمعية والدتها الفنانة، أعجبت إيمان بأنماط تصميم راقي لقطع فريدة (معاطف، تنانير وفساتين مطبوعة...) "مع لوحات للفنانين، حيث تعرض كل قطعة تراثا ثقافيا لمدينة أو منطقة مغربية.
وتقول إيمان "لقد قمنا بإعداد هذه المجموعة بشغف كبير. لاسيما وأنني تمكنت من التعاون مع والدتي، التي طالما ألهمتني على المستوى الشخصي والفني. فمن خلال والدتي أحببت الفن والموضة. ولطالما حلمت بتكريمها وتخليد مسيرتها الفنية لأزيد من 23 عاما".