
في بضعة عقود وبسرعة لافتة، حققت العلامة التجارية "حلال" قفزة نوعية، لتتحول من مجرد حرص الجالية المسلمة على استهلاك أغذية حلال في بلدان المهجر، إلى صناعة قائمة الذات، بسوق عالمي جد تنافسي يروج نحو ثمانية تريليون دولار.
علامة "حلال"، التي انطلقت من فكرة توفير الأغذية الحلال للمسلمين ولو بضعف ثمنها، توسعت بفضل الإقبال المتنامي عليها واستراتيجيات تسويقية جد مبتكرة، لتشمل مجالات عدة، تتنوع بين الاستثمارات والمعاملات البنكية والمصرفية، ومستحضرات الطب والتجميل والصيدلة والمنتوجات السياحية، بل وحتى الموضة وعالم الأزياء، فيما لا تزال هذه الاستراتيجية تَعد في قادم السنوات بمنتجات جديدة ستلج هذا السوق التنافسي الذي يشهد زخما متزايدا.
سوق الحلال.. رهان على أزيد من 9 تريليون دولار
من المتوقع أن يصل حجم سوق الحلال العالمي إلى 9.71 تريليونات دولار بحلول العام 2025، بعدما قدر بنحو 3.7 تريليونات دولار في 2012، مدفوعا بتنامي عدد المسلمين في العالم، وأيضا تزايد إقبال المستهلكين من غير المسلمين الباحثين عن منتجات ذات جودة "مؤكدة". فالمستهلك، إن كان مسلما أو أيا كانت ديانته أو معتقداته، يطمح على حد سواء، إلى الاستفادة من البعد "الأخلاقي" الذي يميز المنتوج الحلال، وذلك لاعتماده على معياري الشفافية والجودة.
ووفقا لتقرير عن سوق الحلال العالمي لسنة 2018، بلغ عدد المسلمين في العالم 1.8 مليار شخص سنة 2017، أي ما يمثل 24 في المئة من سكان العالم، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم بنسبة 70 في المئة سنة 2060، ليصل إلى ثلاثة ملايير مسلم في جميع أنحاء العالم.
وعموما، تستأثر منتجات الأغذية بالحصة الأكبر في صناعة الحلال، حيث بلغ الاستهلاك الغذائي للأطعمة والمشروبات الحلال، حسب تقرير الاقتصاد الإسلامي العالمي لعام (2017-2018)، 1.24 تريليون دولار أمريكي. وبموازاته ينمو قطاع مستحضرات التجميل الحلال مع ابتكار طلاء الأظافر والماكياج الحلال. ومن المتوقع أن يصل الإنفاق على الأدوية إلى 132 مليار دولار بحلول سنة 2022.
ولكونه سوقا رائجا بضمانات ربحية مؤكدة، تحتدم المنافسة بين العديد من الدول، لاسيما ذات الاقتصادات الصاعدة، للاستحواذ على أكبر نسبة من سوق المنتجات الحلال بمختلف مكوناتها، وذلك بالنظر إلى نسب نموها الآخذة في الارتفاع والتوقعات المستقبلية المعززة لثقة المستثمر.
وفي هذا الصدد، تعد تركيا من بين الدول التي تتطلع إلى زيادة حصتها من سوق الحلال العالمية، في مجال الصناعات والخدمات والسياحة وغيرها إلى 400 مليار دولار في العشر سنوات المقبلة، انتقالا من حصتها الحالية البالغة 100 مليار دولار.
ويعتبر معرض "أسبوع الحلال"، الذي ينظم في تركيا سنويا، منصة عالمية للشركات المنتجة للحلال والعاملين في سوقها التجاري، إلى جانب العديد من رجال الأعمال والخبراء.
فبمشاركة دولية وازنة، تستعد إسطنبول لاحتضان النسخة الثامنة من معرض إكسبو للمنتجات الحلال "القمة العالمية السابعة للحلال"، للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، وذلك ما بين 25 و28 نونبر الجاري بمركز إسطنبول للمعارض.
وعلى غرار الدورات السابقة، سيستضيف المعرض الذي يعد الأكبر من نوعه عالميا في مجال منتجات الحلال، ممثلين عن مختلف القطاعات، وفي مقدمتها المواد الغذائية والتمويل والسياحة ومستحضرات التجميل، والنشر والتعليم، وستبرمج بالمناسبة ندوات وورشات ولقاءات بين المستثمرين.
ومن المتوقع أن يشارك في نسخة هذا العام من "حلال إكسبو"، عارضون من أكثر من 25 دولة، وعدد من مؤسسات اعتماد الحلال.
سوق “الحلال".. خبرات، معايير وشهادات
أن يحمل منتج ما علامة "حلال"، فذلك يعني أنه تم اعتماد عدد من المعايير "الأخلاقية في مختلف مراحل تصوره وتصنيعه قبل عرضه على المستهلك، الأمر الذي استلزم إيجاد نظام شهادات تصدق على أن المنتجات المقدمة للمستهلك هي مطابقة لمعايير علامة "حلال".
ومع ازدياد حجم السوق، بدأت شهادات الحلال تجذب انتباه الهيئات التي تضع المعايير وتصدر شهادات صلاحية المنتجات السلعية والخدماتية.
وفي هذا الصدد، يقول أحمد غلير، رئيس اتحاد الحلال العالمي، إنه تم إنشاء معهد المواصفات والمعايير للدول الإسلامية في إسطنبول، بمبادرة من تركيا وهو آلية معتمدة لتنسيق المعايير بين دول منظمة التعاون الإسلامي.
وأوضح غلير، في تصريح صحفي، أن هناك مليار و860 مليون مسلم يعيشون في دول العالم الإسلامي، إضافة إلى الجاليات المسلمة المقيمة في دول أخرى، وجميعهم أصبحوا مُتَطَلِّبين بخصوص الحصول على معلومات وافية عن ما يستهلكونه.
وأضاف أن "هناك توجها للحصول على شهادة الحلال، كونها تضمن متابعة المنتج ومراقبته من قبل طرف محايد، طوال مراحل الإنتاج".
ولاحظ أن "هناك مؤسسات غربية كبرى تسعى إلى الدخول في مجال إصدار شهادات الحلال، إلا أن الاتحاد لا يفضل قيام مثل هذه المؤسسات بإصدار هذه الشهادات".
وقال "لا نفضل مشاركة المؤسسات الغربية في هذا القطاع، لأن العمل به يتطلب أن يتحلى الشخص بالإيمان إلى جانب المعرفة والمهارة والخبرة.. فلا يمكن لمؤسسة أو فرد ليس لديه حساسية دينية أن تخول له مهمة القيام بالمراقبة أو الفحص الجيد لمنتجات أو أغذية ستصل إلى موائد المسلمين".