تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

مغاربة استهواهم مشرق الشمس

Par
حسنى أفاينو
وجهات المغاربة نحو الخارج متعددة بتعدد أسبابها DR©
وجهات المغاربة نحو الخارج متعددة بتعدد أسبابها DR©
يشكل اندماج المهاجرين في دول الاستقبال تحديا كبيرا يزداد مع بعد المسافة الجغرافية واتساع الهوة الثقافية بين المجتمعات. في هذا المقال تلقي مجلة BAB النور على تجارب اندماج الجالية المغربية في اليابان.

من المغرب الأقصى إلى الشرق الأقصى، ينطلق خط التحدي لقطع مسافة تزيد عن 11 ألف كلم، نحو مطلع الشمس في نيهون "Nihon"، تحدي الجغرافيا والغربة بما تحويه من اختلاف في الثقافة والهوية والتاريخ، بطموح عال وهمة متقدة، تحد يقوده شباب مغاربة يحملون في دواخلهم قبسا من "جينات" ابن بطوطة، ويحلمون بتطوير ذواتهم وصقل مؤهلاتهم، وسبر آفاق جديدة في كوكب اليابان بما يمكنهم من كسب رهان مستقبل أفضل.

مغاربة في اليابان.. هجرة مختارة

وجهات المغاربة نحو الخارج متعددة بتعدد أسبابها، إذ يناهز عدد أفراد الجالية المغربية المقيمة في الخارج اليوم حوالي 4.5 مليون فرد، أي ما يعادل 15٪ من مجموع سكان المغرب، وتعد اليابان من بين الوجهات الأقل نصيبا من حيث عدد أفراد الجالية المغربية (637 مغربي وفق احصائيات وزارة الخارجية اليابانية لشهر يونيو 2019)، لكنه قليل نوعي يضم شريحة فتية ذات كفاءة عالية على الصعيد العلمي والمهني وفي مجال الأبحاث أيضا.
أن تزور اليابان سائحا أمر يستحق التجربة كمحاولة لاستكشاف بلد ممتد على أرخبيل طالما ضرب به المثل في التقدم الصناعي والتطور التكنولوجي والنبوغ في عالم الربوتات، وأيضا للتعرف على مجتمع قد تبدو ثقافته مختلفة، لكنها تنسجم في جوهرها مع عمق الثقافة المغربية التقليدية الأصيلة أو "البلدية" كما يقال في لهجتنا المحلية. 
كثير من أبناء الوطن اختاروا على مدى سنوات مضت في إطار الهجرة المختارة التوجه إلى اليابان لاستكمال دراستهم الجامعية والعليا مستفيدين من منح وزارة التعليم اليابانية والتي كانت حافزا لهم لاتخاذ هذا القرار الصعب بسبب عامل اللغة، لكنهم لم يندموا قط على اقتحامهم تلكم العقبة، كما أكد ذلك عدد من الذين تحدثوا لمجلة BAB عن رحلة اندماجهم بمشرق الشمس. 
لاشك أن قدرة المغاربة على الاندماج إزاء الثقافات واللغات الأجنبية مشهود لها بالتميز عالميا وذلك يعزى ببساطة إلى انفتاحهم بالسليقة ومرونة طبعهم وكرمهم الوجداني الذي تعجز لغات العالم عن الصمود أمامه. وفي هذا الإطار أبت BAB إلا أن تسبر أغوار هذا المجتمع من خلال تجارب حية لجاليتنا المغربية في اليابان، هذه الجالية التي أثبت أفرادها في أنحاء البلاد جدارتهم ونبوغهم في مجالات تخصصهم مما بوأ بعضهم مراكز المسؤولية في شركات كبرى باليابان وتمكنوا بفضل خصالهم الفذة المشرفة واندماجهم الموفق ومبادراتهم الثقافية والاجتماعية المختلفة بهذا البلد في التعريف بتاريخ المملكة العريق وبثرائها الحضاري وبموقعها الاستراتيجي الواعد كبوابة نحو إفريقيا وأوروبا، فكانوا بذلك سفراء المملكة غير الرسميين وسرج الوطن وعلمه في قلب نيهون.
اشتُهر على ألسن الناس حديث ضعيف السند: «اطلبوا العلم ولو في الصين، فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم» وهو حديث يساق للاستدلال على أهمية طلب العلم، ولأن العبرة بعموم اللفظ، فإن الذين تمكنت المجلة من محاورتهم من المغتربين المغاربة كانوا من الذين ضربوا "أكباد الطائرات" بدل الجمال إلى أبعد من الصين، هناك في أقصى الشرق.. في اليابان، وذلك من أجل طلب العلم والارتقاء في مدارجه، فأي تحد هذا؟ وأية عزيمة؟

أن تزور اليابان سائحا أمر يستحق التجربة DR©
أن تزور اليابان سائحا أمر يستحق التجربة DR©


جاليتنا المغربية في اليابان.. اندماج مجتمعي مميز

بكل حماسة وإعجاب، يحكي عمران فاتح وهو شاب متخصص في الأمن المعلوماتي، عن تجربته الجامعية في اليابان التي انطلقت عام 2016 في إطار برنامج منح من الحكومة اليابانية مخصص للدول الإفريقية، حيث درس إلى جانب زملائه الأجانب باللغة الإنجليزية في ظروف وصفها بالمثالية، وتوج مساره الجامعي بنيل شهادة الماستر عام 2018، وتعلم اللغة اليابانية، مما سهل اندماجه في سوق الشغل في مجال أمن المعلومات مباشرة بعد تخرجه.
يقول مثل ياباني "الدخول إلى الجامعة أصعب من الخروج منها" في إشارة إلى أن امتحان أو مباراة الولوج إليها من الصعوبة بمكان، بما يجعلها كبرى العقبات التي تعترض الطلبة في مسارهم التعليمي في اليابان، حتى أنهم يطلقون عليها مباراة الجحيم، وبذلك يكون اجتياز هذه العقبة بمثابة القفز من الجحيم إلى جنة الحياة الجامعية التي يوفر فيها للطالب الظروف المثلى لتلقي تعليمه الجامعي إلى جانب ممارسة الأنشطة الترفيهية والتثقيفية وغيرها في إطار نوادي الحرم الجامعي المجهزة بكل ما يحتاجه الطالب من معدات ومرافق، فضلا عن العلاقة الوثيقة المطبوعة بالدفء الإنساني التي تربط الطالب بأستاذه، ولعل هذه الرعاية المميزة شكلت ولا تزال إحدى العوامل التي سهلت اندماج الطلبة الأجانب عموما والمغاربة على وجه الخصوص في المجتمع الياباني وفق تصريح الشاب المغترب فاتح الذي أكد في بوحه لـBAB "إن أكثر شيء أثر في نفسي خلال المرحلة الجامعية، هو العلاقة المميزة بين الأستاذ وطلبته، وهي علاقة إنصات وتواضع واحترام وتقدير ورعاية وتعاون وتوجيه سواء تعلق الأمر بشؤون الدراسة أو غيرها كأنه ولي أمر ودود، مما خفف من وطأة الغربة وجعل التعلم أفضل والنتائج أرقى، لهذا كنت أتساءل دائما لماذا لا نعيش مثل هذه التجارب في بلدنا المغرب؟".
وبدوره يؤكد الخبير في مجال التصميم الإلكتروني، السيد علي الحضري، الذي التحق بجامعة يابانية بأوكاسا عام 1992 بعد نجاحه في مباراة انتقائية خولت له الاستفادة من منحة وزارة التعليم اليابانية، والانتقال بعدها إلى جامعة بمدينة فوكوكا بجزيرة كيوشو(لمدة 6 سنوات) "إن عامي الأول في اليابان كان أحسن الأعوام في مساري الدراسي، فقد لقينا نحن الطلبة الوافدين اهتماما وعناية كبيرين من قبل الجامعة وأطرها، وكنا نعامل كالملوك، وهي من العوامل التي شجعت عددا من المغاربة على الاستقرار والعيش في اليابان، وجعلت اندماجنا سهلا شيئا ما، خصوصا في مجتمع يحترم ويقدر الأجانب".
أما سعد كسرى الذي كان منبهرا بالنموذج الياباني في المجال التكنولوجي والاقتصادي منذ وقت مبكر، فقد تخلى عن مواصلة دراسته في الأقسام التحضيرية بثانوية مولاي يوسف في أول فرصة أتيحت له بعد أن وقع الاختيار عليه للاستفادة من منحة جامعية باليابان عام 1994، حيث أمضى عامه الأول في تعلم اللغة اليابانية التي لم تكن تخل، برأيه، من صعوبات، إذ كان عليه مواجهة تحدي الاستعداد في جميع المواد العلمية (الرياضيات الفيزياء الكيمياء..) باللغة المحلية لاجتياز امتحان يحدد على إثره نوع الجامعة والشعبة الدراسية التي سيتخصص فيها، مشيرا إلى أنه نجح إلى جانب ثلاث مغاربة آخرين في الامتحان وتمكنوا من ولوج جامعات جيدة في شعبة الإلكترونيك و الكمبيوتر وغيرها والتي كان لليابان فيها قصب السبق على الصعيد العالمي في تلك الفترة.
بتأثر كبير يتحدث السيد كسرى عن تجربته الجامعية في طوكيو لا سيما السنة الأولى التي درس فيها علوم مختلفة إلى جانب تخصصه في شعبة الالكترونيك-علوم الهندسة حيث يقول "لازلت أذكر أول درس تلقيته في الجامعة والذي كان حول علوم البيئة، وهي المرة الأولى التي أسمع فيها درسا عن البيئة والتلوث والتصحر…، تأثرت كثيرا بذلك، ورسخ في ذهني هذا الدرس كأني تلقيته أمس، كما درست الديانات المختلفة بما في ذلك الإسلام والمسيحية واليهودية، وعلوم اللغات وعلوم الاقتصاد، وهذا التنوع شدني كثيرا". واصفا نظام التدريس في الجامعة بكونه جذاب ومليء بالدينامية المعززة بتواجد أندية مختلفة تشمل المجال الرياضي والثقافي والتقني وغيره، أما مرحلة الماستر والدكتوراه، يضيف المتحدث، فهي مخصصة للبحث والإبداع ضمن مجموعات من الطلبة موزعة على أساتذة جامعيين تربطهم بطلابهم علاقات تعاون كبيرة.
"دراستي في اليابان في فترة التسعينات كانت شيقة" يقول السيد كسرى "فقد أتيحت لي فرصة الالتقاء بطلاب من جنسيات مختلفة وتعرفت على ثقافات بلدان من آسيا وإفريقيا ودول الغرب عموما، فكانت تجربة غنية جدا على جميع المستويات خاصة في مجال الأبحاث".
وأكد أن تعلم اللغة اليابانية مفتاح أساسي ومحدد في مسألة الاندماج، ذلك أن الطلاب الأجانب الذين جاؤوا للدراسة من أجل نيل الدكتوراة والذين لا يتحدثون اللغة المحلية، غالبا ما يواجهون صعوبات كبيرة في الاندماج بالمجتمع الياباني، كما أن الأشخاص الذي يعتمدون في تواصلهم على اللغة الإنجليزية، يؤكد السيد فاتح في نفس السياق، يجدون صعوبة في الاندماج أيضا، ويقتصرون في علاقاتهم على الأجانب الناطقين بالإنجليزية بينما يظل تواصلهم مع اليابانيين محدودا مما يؤثر على آفاقهم المهنية في هذا البلد.
أما بالنسبة ليوسف إكيدر الذي يعيش في اليابان منذ 33 عاما، فقد قدم إليها كطالب في سلك الدكتوراه في شتنبر 1989 مستفيدا هو الآخر من منحة وزارة التعليم اليابانية، وذكر في هذا السياق أن الصعوبة الأولى التي واجهها كانت ذات طبيعة تواصلية تتعلق باللغة والثقافة، إذ كانت مختلفة تماما عن الثقافة الأوروبية القريبة نسبيا من المغرب، بالإضافة إلى صعوبة أخرى تتعلق باليابانيين أنفسهم خصوصا في فترة الثمانينات والتسعينيات، حيث لم يكونوا متعودين على الأجانب، وكان لديهم نوع من التخوف منهم خاصة في المدن الصغيرة والقرى، بينما في المدن الكبرى كطوكيو فقد كانوا متعودين نسبيا على المغتربين".

يوسف إكيدر، مدير عام للشعبة اليابانية بشركة أمريكية للبحث العلمي DR©
يوسف إكيدر، مدير عام للشعبة اليابانية بشركة أمريكية للبحث العلمي DR©


تحديات الاندماج المهني

ما يميز الدراسة الجامعية في اليابان أن فرص ولوج سوق الشغل والاندماج فيها متاح لخريجيها، لاسيما في الجامعات المشهورة وذلك في إطار اتفاق محدد مسبقا بين هذه الأخيرة وعدد من الشركات اليابانية أو الأجنبية. وهذا ما حصل بالفعل مع الخريجين المغاربة الذين حاورتهم BAB بخصوص اندماجهم في سوق الشغل إذ تم ذلك بشكل سلس وميسر نسبيا، على حد تعبيرهم، بعد خوضهم لعدد من المباريات استعدادا لولوج المجال المهني وذلك سنة تقريبا قبل التخرج.
وحول تجربة الاندماج المهني لهذه العينة من أفراد جاليتنا المغربية في اليابان، فقد أجمعت بالرغم من اختلافها في بعض التفاصيل، على احتكام المجال المهني في اليابان إلى قواعد أساسية لا تفرق بين الياباني والأجنبي وهي معايير تهم على الخصوص الإخلاص والمثابرة في العمل، والاحترام والتقدير والتواضع، وتعزيز الشعور بالانتماء للمؤسسة والاحترام الشديد للتراتبية.
بالنسبة للخبير في الأمن المعلوماتي فاتح الذي يشتغل منذ عامين ونصف في شركة securworsjapon بمدينة ياسوغي في محافظة سماني، فإن امتلاك ناصية اللغة المحلية في اليابان عامل محدد ومحوري في الاندماج المهني، إذ تسهل عملية التواصل والتشاور والمشاركة والنقاش، وبدون ذلك يشتغل الأجنبي مهما كانت مؤهلاته في شبه عزلة وفي حدود المهمة المكلف بها بحيث تستغل كفاءته لكن دون آفاق واسعة لتطوره الذاتي، وحتى لو اضطر بسبب عدم إتقانه للغة اليابانية للاشتغال في شركات أجنبية، فإن هذه الأخيرة ستتعامل في النهاية مع زبناء يابانيين. مشيرا إلى أن الخبرة التي اكتسبتها في مدة اشتغاله بهذه الشركة المتعددة الشركاء من الدول الأجنبية، مكنتنه من إتقان اللغة اليابانية (الفصحى المستخدمة في مجال العمل والعامية المستعملة في المجتمع) والإنجليزية والفرنسية فضلا عن العربية التي هي لغته الأم.
ومن العوامل التي تقف عقبة أمام اندماج الأجانب مهنيا داخل الشركات اليابانية، يقول فاتح، هو نظامها القائم على فكرة الترقي حسب الأقدمية، وليس بناء على المهارات الذاتية، فالخبرة في ثقافة الشركات اليابانية تعادل عدد السنوات التي يتم قضاؤها بالمؤسسة، وهو أمر لا ينفك عن فكرة الانتماء الذي تعززه الثقافة المجتمعية في اليابان، وبالتالي كلما كانت الشركة كبيرة وعريقة (منها ما يفوق عمرها 100 عام)، كلما كان هرمها التراتبي أكثر تعقيدا، والارتقاء في مراتب المسؤولية بها أصعب منالا وأطول أمدا. وهذه من بين مآخذ محاورنا الشاب على الشركات الكبرى في طوكيو، والتي لا يتماشى نظامها، برأيه، مع عصر التكنولوجيا الرقمية الذي يتطلب المرونة والسرعة في مواكبة التغيرات، موضحا أن هذا النظام ربما كان فعالا إبان الثورة الصناعية حيث كانت تسود عقلية التصنيع والمكننة ولكنه لم يعد كذلك في الوقت الراهن. 
ومن العوامل التي تصعب الاندماج المهني للأجانب في اليابان هو اشتراط الشركات اليابانية على وافديها الجدد، القيام بجولة على جميع أقسامها ومصالحها قبل استلام مهامهم تستغرق عامين (بمعدل 3 أشهر في كل قسم) وهذا يعتبر بالنسبة للبعض هدرا لزمن تطورهم المهني وبطئا غير مبرر، وحدا للإبداع، على اعتبار أن الأفكار المبدعة تحتاج إلى السرعة في التنفيذ في ظل احتدام التنافسية بين الشركات، والواقع الملاحظ، حسب فاتح، أن الشركات الصغرى تبدو أكثر دينامية وقدرة على التماهي مع متطلبات العصر مما يمنحها حظوظا أكثر في كسب رهان الوقت، والانفتاح والتوسع على أسواق خارجية حيث اليد العاملة رخيصة والمواد الطبيعة أقل كلفة، مقارنة مع غيرها من الشركات العملاقة (باستثناء حالات معدودة على رؤوس الأصابع منها شركات Sony وToyota وNintendo) التي تأخذ وقتا أطول في اتخاذ قرار بشأن فكرة جديدة ودراسة نسبة المخاطرة بها بسبب عقلية محكومة بالتدقيق وتقليص هامش الخطأ بكثير من الإتقان، مما ينتج عنه استبعاد الكثير من الأفكار الإبداعية والدينامية جراء الخوف من الفشل، وهو ما يتنافى مع متطلبات السرعة في زمن العولمة والتنافسية الشديدة في السوق العالمية.
لكن إذا نظرنا إلى الجانب المملوء من الكأس فإن هذا الحرص والتدقيق نابع من ثقافة الاتقان واحترام وتقدير الإنسان/الزبون الذي يتمتع بمنزلة خاصة في اليابان، إذ يعتبر الخطأ بحقه ممنوعا للغاية وهذا يظهر بجلاء في جودة الخدمات ورقيها بهذا البلد، ولعل ذلك من العوامل التي تدفع الأجنبي لبذل مزيد من الجهد من أجل التكيف والاندماج في واقع ثقافي مختلف. أما السيد كسرى، فأدرك منذ بداية مساره المهني أن نجاحه في التقدم في مراتب المسؤولية داخل شركة يابانية كبيرة سيكون محدودا، فاختار العمل في شركة أجنبية صغيرة في اليابان والتي أعجب بنظامها وهي شركة شلمبرجير (schlumberger) الفرنسية التي تعمل في مجال خدمات حقول النفط. حيث انتقل في إطارها بين عدة دول (منها أندونيسيا وأمريكا وفرنسا وبريطانيا..) ليحط الرحال في كندا بحثا عن آفاق مختلفة لتوسيع خبرته في مجال النفط.
بالنسبة للخبير والمهندس في مجال المعلوميات يوسف إكيدر، الذي يشتغل حاليا مديرا عاما للشعبة اليابانية بشركة أمريكية للبحث العلمي «Stanford Research 
Institute (SRi international» (مقرها المركزي بالولايات المتحدة الأمريكية (منشأ الأنترنيت)، تشتغل على تطوير الحلول التقنية لفائدة الشركات الكبرى مثل Panasonic و Toyota)، فقد انتقل بعد تخرجه من جامعة طوكيو (حيث قضى ثلاث سنوات ونصف) إلى كيوشو، واشتغل للمرة الأولى في مركز الأبحاث وتطوير شركة Panasonic لمدة 7 سنوات ليكون الأجنبي الوحيد وسط حوالي 2300 مهندس باحث في جنوب البلاد بمدينة كيوشو (حيث اللهجة ونمط التفكير مختلفين عن العاصمة) فكانت الوسيلة الوحيدة للاندماج في بيئة جديدة، وفق رأيه، "هي المثابرة وبذل الجهد في التواصل وتعلم اللغة واستثمار الملكة الاجتماعية التي يتمتع بها المغاربة إلى جانب قدرتهم على الانفتاح وفهم وتفهم ثقافة الآخر" مما أسهم في صقل مؤهلاته وإثراء تجربته، ليلتحق بعد ذلك بشركة أمريكية في أحد فروعها اليابانية بطوكيو Cisco Systems في مجال شبكات الاتصال (reseautique) لمدة 7 سنوات كمدير للبرامج، ثم مديرا للحلول التقنية directeur des solutions techniques بشركة آسيوية متعددة الجنسيات، قبل أن يتولى منصبه الحالي.
إذا كانت الكفاءة المهنية وإتقان اللغة ومهارة الانفتاح على الثقافة اليابانية تبوء أفراد الجالية المغربية مراكز مرموقة في المجتمع الياباني، يقول السيد كسرى، فإن هناك شريحة أخرى من الجالية الأجنبية (بما فيهم بعض المغاربة) لا تملك شواهد عليا، هاجرت إلى اليابان من بلدان مختلفة من العالم لأسباب أخرى غير دراسية، إما لأنهم تزوجوا من يابانيين أو يابانيات أو قرروا العيش بهذا البلد رغم انتهاء صلاحية تأشيراتهم..، مثل هؤلاء يواجهون صعوبات جمة في مسألة الاندماج خصوصا إذا لم يكونوا يتحدثون اللغة المحلية، وقد يعانون من تهميش وممارسات عنصرية، فيما يشكلون سوقا سوداء من العمالة الرخيصة التي تستغل في المطاعم والفنادق وبعض المصانع، لكنهم مع ذلك يعتبرون وضعهم المادي في اليابان أفضل من غيره، إذ يمكنهم من الحد الأدنى للعيش فضلا عن مساعدة عائلاتهم ببلدان المنشأ.

نشاط ثقافي ينظمه أفراد من الجالية المغربية باليابان DR©
نشاط ثقافي ينظمه أفراد من الجالية المغربية باليابان DR©

تباين مواقف الجالية المغربية حول قرار العيش في اليابان 

تجمع كل التصريحات التي استقتها BAB من محاوريها من الجالية المغربية في اليابان على دماثة أخلاق اليابانيين ورقي قيمهم المجتمعية المتمثلة في النظام والنظافة والمسوؤلية المواطنة والتواضع والاحترام والأمانة والإخلاص والتفاني في العمل وحس الانتماء والبعد الجماعي إلى جانب الأمن والأمان والحرية في الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، لكنهم يأخذون على اليابانيين انغلاقهم وتحفظهم الشديد من الأجنبي لدرجة التوجس، وخوفهم من الاختلاف والفشل أو الوقوع في الخطأ مما يجعل من هذه السمات كوابح تحجب ثمار الانفتاح وفوائد الاختلاف البناء وروح الإبداع والتميز.
ولفتوا إلى أن الأجنبي يبقى أجنبي ولو طال مقامه باليابان، حتى ولو حصل على جنسية يابانية، لأن الياباني يعتقد أن الأجنبي لن يستطيع استيعاب كينونة الياباني ولا ثقافته مهما اندمج في مجتمعهم، كما أن الياباني لا يبادر في نسج العلاقات مع الآخر كأنها "وصمة عار" ولا يبذل جهدا في تفسير المفردات الثقافية الخاصة بمجتمعه للأجنبي. الأمر الذي نتج عنه تباين في مواقف عدد من المغتربين في اليابانيين بما فيهم أفراد الجالية المغربية فيما يخص قرار الاستقرار والعيش في اليابان أو مغادرتها في اتجاه دول أخرى خاصة الغرب.
بالنسبة للمتخصص في الأمن المعلوماتي السيد فاتح وزوجته اليابانية المسلمة، فإنهما يرغبان في الاستقرار بالمغرب إذا رزقا بأطفال حرصا على تنشئتهم في بيئة مسلمة لكنهما في الوقت ذاته لم يخفيا ترددهما بشأن آفاقهما المهنية. 
أما السيد الحضري الذي قضى حوالي 30 عاما في اليابان، وهو متزوج بيابانية مسلمة وأب لطفلين يافعين، فإنه ما فتئ يؤكد إعجابه باليابان وميزاته المجتمعية خاصة جانب الأمن والأمان، ولا يشعر بالغربة فيه كما لم يشك قط من أي ممارسة عنصرية ضده، فيما أبناؤه يدرسون في المدارس اليابانية لأن المدارس الدولية مكلفة جدا بالنسبة إليه، خصوصا وأنه المعيل الوحيد للأسرة، وقد تعلموا العربية قليلا في المسجد وما تيسر من القرآن الكريم، لكنه يشكو رغم ذلك من نقص كبير في هذا الجانب تفاقم في فترة الجائحة. 
بالنسبة للخبير المعلوماتي السيد إكيدر الحاصل على وسام العرش سنة 2005 في إطار مساهماته القيمة للتقريب بين المغرب واليابان، فقد حاول على مدى 33 عاما من اندماجه في المشرق الأقصى هو وزوجته المغربية على إحداث توليفة خاصة بهما تمكنهما من قطف حسنات العيش في المجتمع الياباني على المستوى القيمي والمهني وتأمين تنشئة أبنائهما على قيم الانفتاح على العالم من خلال تدريس أبنائهما في مدرسة دولية تتيح لهم اكتساب تكوين منفتح وتعلم لغات أجنبية تعزز آفاقهم العلمية والذاتية.
أما السيد كسرى المتزوج بمغربية فيعزو اختياره مغادرة اليابان واستقراره الحالي في كندا لأسباب أسرية وأخرى مهنية تتعلق برغبته في تثمين خبرته والبحث عن فرص أخرى لتوسيع آفاق تخصصه في مجال النفط في فضاء واعد وأكثر انفتاحا. 

دور الجالية المغربية في التقارب الثقافي بين المغرب واليابان

يسهم أفراد من الجالية المغربية باليابان من الطلبة والأطر المهنية بدور مقدر في التعريف بتاريخ المغرب وتراثه وثقافته، في إطار مبادرات ثقافية وفنية وأنشطة إشعاعية داخل أروقة الجامعات و في إطار جمعيات أو في المناسبات الدينية، لكنها تبقى مبادرات فردية يذكيها حس المواطنة والرغبة في الانفتاح والتقارب الثقافي بين البلدين في حدود الإمكانات المتاحة، خاصة وأن أغلب اليابانيين لا يعرفون المغرب ولا موقعه الجغرافي وبعضهم يخلط بين المغرب Morocco ومنغوليا Mongolie، وبذلك تعتبر مثل هذه المبادرات على قلتها ذات أثر في التعريف بالمملكة داخل المجتمع الياباني وتشجيع اختياره كوجهة سياحية من قبل اليابانيين، وفي هذا الإطار يحدث في كثير من الأحيان أن تستقبل أسر مغربية بمنتهى الكرم سياحا يابانيين من أصدقاء أو معارف جاليتنا في اليابان مما يترك أثرا طيبا في نفوسهم يمتد مداه إلى غيرهم من أفراد مجتمعهم. 

الجالية المغربية والزواج المختلط في اليابان 

يرى علي الحضري أن نجاح تجربة الزواج عموما سواء كان مختلطا او من نفس الجنسية رهين بدرجة النضح والوعي والتفاهم والتفهم أيضا، موضحا أنه قد يحدث بعض الاختلاف في حالة الزواج من يابانية بخصوص استعمال مفردات غير مقبولة في ثقافة طرف أو آخر لكن هذا يتم حله في إطار المقومات المبدئية المسيجة لبنية العلاقة الزوجية، و"الواقع أنني لم أشعر بفرق بين الزواج من مغربية أو يابانية"، لكن الإشكال الأكبر، برأي السيد الحضري، يتعلق بتربية الأطفال ومدى القدرة على ترسيخ القيم الدينية الاسلامية لديهم وهذا يتطلب جهدا يوميا خصوصا في ظل متاهات الانترنيت الجارفة لفئة المراهقين والشباب و"غياب مؤسسات تربوية تعنى بالجالية المغربية تعضد هذا الجانب لدى أبنائنا".
من جانبه أوضح السيد فاتح خبير الأمن المعلوماتي أن الأسر اليابانية عموما لا تتقبل بسهولة فكرة الزواج المختلط، والأمر يختلف من أسرة إلى أخرى وبدرجات متفاوتة حسب درجة انفتاح كل منها. بالنسبة لزوجتي فقد أسلمت عامين قبل الزواج، وقد اعترضت أسرتها على قرار اعتناقها الإسلام، ويعزى هذا الاعتراض بالأساس إلى دور الإعلام الغربي في "تشويه صورة الإسلام والمسلمين ووسمهم بالإرهاب، خصوصا وأن الإعلام المحلي متأثر بما يروجه الإعلام الغربي والأمريكي على وجه الخصوص حول هذا الموضوع"، كما يعود من جهة أخرى إلى سمة الخوف من نظرة الآخر سواء العائلة أو المجتمع بصفة عامة في حالة الخروج على النمط السائد في المجتمع وسلوك خيارات مختلفة، "وهذا الأمر يحسبون له ألف حساب"، يؤكد السيد فاتح.
ولم يفت مغتربنا الشاب الإشارة إلى تجارب أخرى لزيجات مختلطة ووجهت بالرفض ونتج عنها قطيعة لسنوات بين الزوجة اليابانية وأقاربها ولم يرأب الصدع في بعض الحالات إلا بعد إنجاب أطفال، مشيرا في هذا الصدد إلى أن أصعب شيء واجهه شخصيا في الزواج المختلط هو إجراءات ومسطرة الزواج في المغرب المرهقة بسبب عدم توضيح الوثائق المطلوبة منذ البداية وهدر الزمن والجهد في مسلسل الذهاب والإياب المتكرر. أما الزيجات القائمة على مصلحة معينة فيكون مآلها الفشل طبعا في كثير من الأحيان خصوصا مع وجود أطفال وبروز إشكالات تتعلق بالتربية والدين (أكل لحم الخنزير شرب الخمر…) أما غيرها من الزيجات القائمة على مساحات مشتركة من حيث الدين تستمر بنجاح عموما في اليابان.