تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

حضور تركيا في مالي، هل هو مجرد تمويه لفرنسا؟

Par
هند الصدقي
-
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون © و م ع/ابإ
3 دول من أصل 4 في منطقة الساحل حيث تنشط قوات برخان الفرنسية أصبحت حاليا خاضعة لحكم عسكري؛ واقع يعكس تضاؤل النفوذ الفرنسي في هذه المنطقة مقابل بروز قوى أخرى على رأسها تركيا، خصوصا في مالي التي بات الصراع التركي الفرنسي حولها جليا.

لتعزيز‭ ‬المشاعر‭ ‬المناهضة‭ ‬لباريس‭ ‬في‭ ‬أفريقيا‭"‬،‭ ‬هو‭ ‬تصريح‭ ‬واضح‭ ‬بمثابة‭ ‬اتهام‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬لمجلة‭ ‬جون‭ ‬أفريك‭ ‬بخصوص‭ ‬تركيا،‭ ‬ومحاولات‭ ‬مد‭ ‬نفوذها‭ ‬أفريقيا‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هذا‭ ‬التصريح‭. ‬الأول‭ ‬ولا‭ ‬الأكثر‭ ‬صرامة،‭ ‬فتراشق‭ ‬الاتهامات‭ ‬والتصريحات‭ ‬بين‭ ‬مسؤولي‭ ‬البلدين‭ ‬أضحى‭ ‬اعتياديا‭ ‬كلما‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالتدخلات‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬السمراء‭. ‬

يأتي‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬تباطئ‭ ‬المجلس‭ ‬العسكري‭ ‬الحاكم‭ ‬بمالي‭ ‬في‭ ‬الدفع‭ ‬بالبلاد‭ ‬نحو‭ ‬مرحلة‭ ‬انتقالية‭ ‬تبدأ‭ ‬بتنظيم‭ ‬الانتخابات،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬مازالت‭ ‬الاتهامات‭ ‬تلاحق‭ ‬تركيا‭ ‬بدعم‭ ‬الانقلاب،‭ ‬وتأخير‭ ‬الانتقال‭ ‬السياسي‭ ‬الشامل،‭ ‬رغم‭ ‬نفيها‭ ‬مرارا‭ ‬هذه‭ ‬المزاعم،‭ ‬لكن‭ ‬التحركات‭ ‬الديبلوماسية‭ ‬لأنقرة‭ ‬تجاه‭ ‬باماكو‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اختصارها‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭ ‬البراغماتية‭ ‬للديبلوماسية‭ ‬التركية‭. ‬خصوصا‭ ‬أن‭ ‬الاتهامات‭ ‬تتصاعد‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬تجاه‭ ‬روسيا‭ ‬حول‭ ‬محاولتها‭ ‬إيجاد‭ ‬موطئ‭ ‬قدم‭ ‬داخل‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الأفريقي‭ ‬عبر‭ ‬مجموعة‭ "‬فاغنر‭" ‬العسكرية‭ ‬الروسية،‭ ‬والتعاون‭ ‬مع‭ ‬السلطات‭ ‬الانتقالية‭ ‬بباماكو‭ ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬تصر‭ ‬على‭ ‬نفي‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬رغبة‭ ‬منها،‭ ‬ربما؛‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬شركاء‭ ‬آخرين،‭ ‬تعد‭ ‬تركيا‭ ‬أبرزهم،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬تتوانى‭ ‬سلطات‭ ‬مالي‭ ‬الانتقالية‭ ‬عن‭ ‬مغازلة‭ ‬تركيا‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬تصريحات‭ ‬مسؤوليها‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وأبرزها‭ ‬تصريحات‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬المالي‭ ‬الانتقالي‭ ‬شوغيل‭ ‬كوكالا‭ ‬مايغا،‭ ‬الذي‭ ‬أكد‭ ‬حاجة‭ ‬بلاده‭ ‬للمساعدة‭ ‬التركية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬محاربة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬واستعداد‭ ‬باماكو‭ ‬للتعاون‭ ‬مع‭ ‬أنقرة‭ ‬في‭ ‬الصناعات‭ ‬الدفاعية،‭ ‬وفي‭ ‬المجال‭ ‬الاقتصادي‭. ‬التصريحات‭ ‬المالية‭ ‬الرامية‭ ‬لخطب‭ ‬الود‭ ‬التركي‭ ‬تقابلها‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المناسبات‭ ‬مهاجمة‭ ‬لفرنسا‭ ‬منذ‭ ‬انقلاب‭ ‬2020‭ ‬

 

تركيا،‭ ‬تهديد‭ ‬للوجود‭ ‬الفرنسي‭ ‬أفريقياً

 

ويؤكد‭ ‬الدكتور‭ ‬تاج‭ ‬الدين‭ ‬الحسيني،‭ ‬أستاذ‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬بجامعة‭ ‬محمد‭ ‬الخامس‭ ‬بالرباط‭ ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬لمجلة‭ ‬BAB؛‭ ‬أن‭ ‬التحركات‭ ‬التركية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اختصارها‭ ‬بكونها‭ ‬مجرد‭ ‬تمويه‭ ‬لفرنسا،‭ ‬بل‭ ‬توضح‭ ‬الرغبة‭ ‬الحقيقية‭ ‬لتركيا،‭ ‬التي‭ ‬تدخل‭ ‬ضمن‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الشاملة،‭ ‬المتبعة‭ ‬من‭ ‬أنقرة‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬الإقليمي‭ ‬القريب‭ ‬وفي‭ ‬إفريقيا‭ ‬أيضا‭. ‬

الحضور‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وفق‭ ‬الدكتور‭ ‬الحسيني‭ ‬سجل‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬15‭ ‬سنة،‭ ‬وتم‭ ‬تأكيده‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬مجيء‭ ‬أردوغان‭ ‬إلى‭ ‬الحكم،‭ ‬فقد‭ ‬لوحظ‭ ‬مثلا‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬الماضية‭ ‬وحدها‭ ‬تعدد‭ ‬زياراته‭ ‬لبلدان‭ ‬إفريقية‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬الساحل‭ ‬مثل‭ ‬نيجيريا،‭ ‬وأنغولا‭ ‬والطوغو‭. ‬ويشير‭ ‬الحسيني‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمالي،‭ ‬هناك‭ ‬رغبة‭ ‬أكيدة‭ ‬في‭ ‬توطيد‭ ‬العلاقة،‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬التوتر‭ ‬الذي‭ ‬عرفته‭ ‬الانظمة‭ ‬العسكرية‭ ‬هناك‭ ‬مع‭ ‬مبادرة‭ ‬الوجود‭ ‬الفرنسي،‭ ‬وخصوصا‭ ‬مبادرة‭ "‬برخان‭"‬،‭ ‬التي‭ ‬تبين‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬ان‭ ‬فرنسا‭ ‬ربما‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الموقع‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬والمهم‭ ‬جدا‭ ‬بالنسبة‭ ‬للموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬و‭ ‬المعدنية،‭ ‬وتركيا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬اتباع‭ ‬سياسة‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بـ‭ "‬ملء‭ ‬الفراغ‭"‬،‭ ‬فكلما‭ ‬ظهرت‭ ‬إمكانيات‭ ‬انسحاب‭ ‬أقطاب‭ ‬مهمة‭ ‬أوروبية‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬إلا‭ ‬وتحاول‭ ‬كذلك‭ ‬تركيا‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الصين‭ ‬وقوى‭ ‬أخرى‭ ‬أن‭ ‬تطبق‭ ‬سياسة‭ "‬ملء‭ ‬الفراغ‭" ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭.‬

ومن‭ ‬جانبه،‭ ‬يذهب‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬الفاتحي،‭ ‬مدير‭ ‬مركز‭ ‬الصحراء‭ ‬وإفريقيا‭ ‬للدراسات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬لـ‭ ‬BAB‭ ‬بأن‭ ‬الاهتمام‭ ‬التركي‭ ‬و‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بدواعي‭ ‬جيو‭ ‬استراتيجية‭ ‬وسياسية‭ ‬عميقة‭ ‬تتعلق‭ ‬بتوسيع‭ ‬نفودها‭ ‬دوليا‭ ‬وإقليميا،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬تروم‭ ‬تضييق‭ ‬الخناق‭ ‬على‭ ‬النفوذ‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬وشمالها،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬وأن‭ ‬فرنسا‭ ‬تعد‭ ‬منافسا‭ ‬شرسا‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬المتوسط‭ ‬وليبيا‭ ‬وداعم‭ ‬قوي‭ ‬لغريمي‭ ‬تركيا‭ ‬اليونان‭ ‬وقبرص‭.‬

ولذلك‭ ‬ستعمل‭ ‬تركيا‭ ‬بحسب‭ ‬رأي‭ ‬الدكتور‭ ‬الفاتحي،‭ ‬على‭ ‬قيادة‭ ‬صراع‭ ‬التواجد‭ ‬ضد‭ ‬فرنسا‭ ‬حتى‭ ‬تكف‭ ‬عن‭ ‬دعمها‭ ‬اللامشروط‭ ‬لغريميها‭ ‬اليونان‭ ‬وقبرص‭ ‬اللتان‭ ‬ينازعانها‭ ‬السيادة‭ ‬على‭ ‬مناطق‭ ‬النفوذ‭ ‬البحري‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬المتوسط‭ ‬وبحر‭ ‬إيجه‭ ‬الغني‭ ‬بالنفط‭.‬

التغلغل‭ ‬الناعم

 

يتجلى‭ ‬ضعف‭ ‬الموقف‭ ‬الفرنسي‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬رفض‭ ‬النيجر‭ ‬استضافة‭ ‬قوات‭ ‬الردع‭ ‬الأوروبية‭ "‬تاكوبا‭" ‬التي‭ ‬أطلقتها‭ ‬باريس‭ ‬لتقاسم‭ ‬عبء‭ ‬محاربة‭ ‬الارهاب‭ ‬مع‭ ‬الحلفاء‭ ‬الاوروبيين،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬فك‭ ‬هذه‭ ‬القوات‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬الانسحاب‭ ‬التام‭ ‬من‭ ‬مالي،‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬ترؤس‭ ‬فرنسا‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وانقلاب‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬الذي‭ ‬يعقد‭ ‬المعادلة‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬أكثر‭. ‬

ويشهد‭ ‬تاريخ‭ ‬تمدد‭ ‬تركيا‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الأفريقي‭ ‬على‭ ‬اعتمادها‭ ‬عدة‭ ‬أوراق‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬تواجدها‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الأفريقية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ "‬نبذ‭ ‬المستعمر‭" ‬واستمالة‭ ‬النخب‭ ‬الدينية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬فتح‭ ‬التمثيليات‭ ‬الديبلوماسية‭ ‬وتقديم‭ ‬المساعدات‭ ‬الانسانية‭ ‬والتنموية‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬إبرام‭ ‬اتفاقيات‭ ‬تنعش‭ ‬صناعاتها‭ ‬الدفاعية‭ ‬وتجارتها‭. ‬

تتضح‭ ‬هذه‭ ‬الأوراق‭ ‬التركية‭ ‬على‭ ‬الرقعة‭ ‬المالية،‭ ‬منذ‭ ‬الانقلاب‭ ‬الذي‭ ‬أطاح‭ ‬بالرئيس‭ ‬إبراهيم‭ ‬بوبكر‭ ‬كيتا،‭ ‬حين‭ ‬خرج‭ ‬رجل‭ ‬الدين‭ ‬المالي‭ ‬الأبرز‭ ‬محمد‭ ‬ديكو‭ ‬ذي‭ ‬الشعبية‭ ‬الواسعة‭ ‬ليهاجم‭ ‬فرنسا‭ ‬بتصريحاته‭ ‬اللاذعة،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬دعمها‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬تدخلها‭ ‬في‭ ‬مالي،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتضح‭ ‬دعمه‭ ‬لتركيا‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭. ‬إذ‭ ‬تعد‭ ‬علاقة‭ ‬ديكو‭ ‬بتركيا‭ ‬إحدى‭ ‬النقاط‭ ‬الأبرز‭ ‬الداعمة‭ ‬لمزاعم‭ ‬الدور‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬الانقلاب،‭ ‬خصوصا‭ ‬مع‭ ‬العلاقة‭ ‬الوطيدة‭ ‬للإمام‭ ‬ديكو‭ ‬بحركة‭ ‬الرؤية‭ ‬الوطنية‭ ‬الاسلامية‭ ‬التركية‭ ‬التي‭ ‬تحظى‭ ‬بإشادة‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان‭. ‬ورقة‭ "‬الدين‭ ‬ونبذ‭ ‬الاستعمار‭" ‬تتضح‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬التصريحات‭ ‬التي‭ ‬تكيل‭ ‬الانتقادات‭ ‬من‭ ‬أردوغان‭ ‬لباريس‭ ‬بخصوص‭ ‬نزعتها‭ ‬الاستعمارية‭ ‬في‭ ‬أفريقيا‭ ‬وفي‭ ‬دولها‭ ‬ذي‭ ‬الغالبية‭ ‬المسلمة‭.‬

وإن‭ ‬وُصف‭ ‬الحضور‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬أفريقيا‭ ‬باعتماده‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة،‭ ‬لا‭ ‬تتوانى‭ ‬تركيا‭ ‬عن‭ ‬حماية‭ ‬حضورها‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وحماية‭ ‬نفوذها‭ ‬الجيوستراتيجي‭ ‬وما‭ ‬جنته‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬من‭ ‬اتفاقيات‭ ‬أمنية‭ ‬وعسكرية‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬أفريقيا،‭ ‬وأبرزها‭ ‬تنمية‭ ‬صادراتها‭ ‬الصناعية‭ ‬الدفاعية‭. ‬

واعتبر‭ ‬موقع‭ "‬TRT‭ ‬عربي‭" ‬التركي‭ ‬الرسمي‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النشاط‭ ‬التركي‭ "‬يندرج‭ ‬ضمن‭ ‬مروحة‭ ‬متعددة‭ ‬الأوجه‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬قوبل‭ ‬بترحيب‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأفارقة‭ ‬بأنقرة‭ ‬التي‭ ‬تجمعهم‭ ‬معها‭ ‬قواسم‭ ‬مشتركة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭ ‬أو‭ ‬روسيا‭ ‬أو‭ ‬الصين،‭ ‬والذين‭ ‬يميلون‭ ‬إلى‭ ‬رؤية‭ ‬تركيا‭ ‬كطرف‭ ‬أقل‭ ‬استبداداً‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬أو‭ ‬فرنسا،‭ ‬وكشريك‭ ‬له‭ ‬المصالح‭ ‬نفسها‭". ‬إذ‭ ‬باتت‭ ‬تركيا‭ ‬بذلك‭ ‬تروج‭ ‬لحضورها‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬أفريقيا‭ ‬بعدما‭ ‬كانت‭ ‬تعتمد‭ ‬قوتها‭ ‬الناعمة‭ ‬للتوغل‭ ‬بطرق‭ ‬أخرى‭ ‬أقل‭ ‬حدة‭ ‬ووضوحا‭. ‬

ويؤكد‭ ‬الدكتور‭ ‬تاج‭ ‬الدين‭ ‬الحسيني‭ ‬في‭ ‬تصريحه‭ ‬لـ‭ ‬BAB‭ ‬بهذا‭ ‬الخصوص،‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬طموحات‭ ‬كبيرة‭ ‬للرئيس‭ ‬التركي‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬مفهوم‭ "‬الامبراطورية‭ ‬العثمانية‭" ‬و‭"‬الباب‭ ‬العالي‭"‬،‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬بنفس‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬اتبعت‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الفتح،‭ ‬إنما‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ "‬القوة‭ ‬الناعمة‭"‬،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تركيز‭ ‬الاستثمارات،‭ ‬واستقطاب‭ ‬حلفاء‭ ‬جدد،‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬والمعادن‭ ‬الثمينة‭ ‬التي‭ ‬تعج‭ ‬بها‭ ‬إفريقيا‭.‬

كما‭ ‬يشير‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬الفاتحي‭ ‬من‭ ‬جانبه‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الأهداف‭ ‬الجيو‭ ‬استراتيجية،‭ ‬تواكب‭ ‬تركيا‭ ‬عملها‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬التي‭ ‬تضاعف‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬سنة‭ ‬2000‭ ‬باعتماد‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الناعمة‭ ‬التي‭ ‬سمحت‭ ‬بالتغلغل‭ ‬السياسي‭ ‬والديني‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬ساعدها‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مؤسساتها‭ ‬الرسمية‭ ‬ومنظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬مكن‭ ‬في‭ ‬مدد‭ ‬قياسية‭ ‬بتعزيز‭ ‬نفوذها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتجاري‭ ‬ولاسيما‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القريب‭ ‬حديقة‭ ‬خلفية‭ ‬للمصالح‭ ‬الفرنسية‭. ‬كما‭ ‬يرى‭ ‬الدكتور‭ ‬الفاتحي‭ ‬أن‭ ‬القلق‭ ‬الفرنسي‭ ‬يتزايد‭ ‬كلما‭ ‬حدث‭ ‬تقارب‭ ‬بين‭ ‬تركيا‭ ‬وباقي‭ ‬دول‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬حيث‭ ‬تنمو‭ ‬المشاعر‭ ‬المُعادية‭ ‬لفرنسا‭. ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬إذكاء‭ ‬الاحتقان‭ ‬الشعبي‭ ‬ضد‭ ‬فرنسا‭ ‬تذكير‭ ‬القادة‭ ‬الأتراك‭ ‬بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية‭ ‬بالتاريخ‭ ‬الاستعماري‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وما‭ ‬صاحب‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬عنف‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الإفريقية‭. ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬ماكرون‭ ‬اتهم‭ ‬تركيا‭ ‬بالتحريض‭ ‬ضد‭ ‬فرنسا‭.‬

مضيفا،‭ ‬أن‭ ‬تركيا‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬حققت‭ ‬بعض‭ ‬المكاسب‭ ‬جيو‭ ‬استراتيجيا،‭ ‬فإنها‭ ‬صارت‭ ‬تأمل‭ ‬في‭ ‬تأمين‭ ‬مصالحها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية،‭ ‬عبر‭ ‬إقامة‭ ‬علاقات‭ ‬اقتصادية‭ ‬متقدمة،‭ ‬وقد‭ ‬ساعدها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬سلسلة‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬الوسائل‭ ‬والآليات‭ ‬التي‭ ‬أثبتت‭ ‬فاعليتها‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬قواعد‭ ‬للنفوذ‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬تنويع‭ ‬صادراتها‭ ‬من‭ ‬الآليات‭ ‬والمواد‭ ‬الغذائية‭ ‬والعتاد‭ ‬عسكري‭.‬

واعتبر‭ ‬معهد‭ ‬ستوكهولم‭ ‬لأبحاث‭ ‬السلام‭ ‬بهذا‭ ‬الخصوص‭ ‬في‭ ‬تقريره‭ ‬لسنة‭ ‬2020‭ ‬حول‭ ‬توجهات‭ ‬عمليات‭ ‬تصدير‭ ‬الأسلحة‭ ‬دوليا،‭ ‬في‭ ‬صفحته‭ ‬الثامنة؛‭ ‬أن‭ ‬تجارة‭ ‬الصناعات‭ ‬العسكرية‭ ‬من‭ ‬الأدوات‭ ‬السياسية‭ ‬خارجيا‭ ‬لزيادة‭ ‬حضور‭ ‬المصدرين‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬عدم‭ ‬اقتصار‭ ‬علاقة‭ ‬تركيا‭ ‬بدول‭ ‬المنطقة‭ ‬على‭ ‬الاتفاقات‭ ‬العسكرية‭ ‬وتطوير‭ ‬هذه‭ ‬الصناعات،‭ ‬بل‭ ‬تعمل‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬زيادة‭ ‬نفوذها‭ ‬والضغط‭ ‬على‭ ‬منافسيها،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬مالي‭ ‬منطقة‭ ‬النفوذ‭ ‬الفرنسي‭ ‬التقليدي‭.‬

هذا‭ ‬التوجه‭ ‬أصبح‭ ‬واضحا‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬تركيا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكده‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬تصريح‭ ‬أردوغان‭ ‬خلال‭ ‬قمة‭ ‬التعاون‭ ‬التركية‭ ‬الأفريقية‭ ‬الثالثة‭ ‬دجنبر‭ ‬الماضي،‭ ‬حيث‭"‬شدد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تركيا‭ ‬تتمتع‭ ‬بتكنولوجيا‭ ‬دفاعية‭ ‬متقدمة،‭ ‬مؤكدا‭ ‬استعداد‭ ‬أنقرة‭ ‬لتقديم‭ ‬خبرتها‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الارهاب‭ ‬للأفارقة‭".‬

 

تنافس‭ ‬تركي‭ ‬فرنسي

 

تضارب‭ ‬المصالح‭ ‬بين‭ ‬فرنسا‭ ‬وتركيا،‭ ‬ومزاعم‭ ‬دعم‭ ‬الأخيرة‭ ‬الانقلاب‭ ‬في‭ ‬مالي‭ ‬تتضح‭ ‬في‭ ‬المفارقة‭ ‬بين‭ ‬مشهدي‭ ‬انقلاب‭ ‬2012‭ ‬و2020،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬دوافع‭ ‬الشعب‭ ‬المالي‭ ‬التي‭ ‬جعلته‭ ‬ينزل‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع‭ ‬محتجا،‭ ‬وتفاقم‭ ‬سوء‭ ‬الأوضاع‭ ‬الداخلية‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬النواحي‭ ‬التي‭ ‬ازدادت‭ ‬سوء‭ ‬مع‭ ‬الأزمة‭ ‬الصحية‭ ‬العالمية،‭ ‬كانت‭ ‬تركيا‭ ‬أول‭ ‬دولة‭ ‬تتواصل‭ ‬مع‭ ‬القادة‭ ‬العسكريين‭ ‬بعد‭ ‬إزاحة‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬كيتا،‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬فرنسا‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬تواصل‭ ‬مع‭ ‬القادة‭ ‬العسكريين‭ ‬سنة‭ ‬2012،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬المشاعر‭ ‬المعادية‭ ‬لباريس‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬والسلطات‭ ‬المالية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يغذي‭ ‬الطموح‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬سحب‭ ‬البساط‭ ‬من‭ ‬فرنسا‭ ‬داخل‭ ‬مناطق‭ ‬نفوذها‭ ‬الأفريقية،‭ ‬التي‭ ‬تزيد‭ ‬شهية‭ ‬القوى‭ ‬المتسابقة‭ ‬على‭ ‬الحضور‭ ‬داخل‭ ‬الرقعة‭ ‬الأفريقية‭ ‬فيما‭ ‬يهم‭ ‬الجانب‭ ‬الاقتصادي‭ ‬كذلك،‭ ‬خصوصا‭ ‬مع‭ ‬غنى‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬هناك‭. ‬

ويرى‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬الفاتحي‭ ‬أن‭ ‬الاهتمام‭ ‬التركي‭ ‬ببسط‭ ‬نفوذها‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل‭ ‬وغرب‭ ‬أفريقيا‭ ‬يروم‭ ‬إلى‭ ‬سعي‭ ‬أنقرة‭ ‬لتطويق‭ ‬المصالح‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الفرنسية‭ ‬خاصة‭ ‬وباقي‭ ‬القوى‭ ‬المحلية‭ ‬والإقليمية‭ ‬المناوئة‭ ‬لرهانات‭ ‬تركيا‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬وفي‭ ‬مناطق‭ ‬أخرى،‭ ‬مضيفا،‭ ‬أن‭ ‬باريس‭ ‬تحس‭ ‬اليوم‭ ‬بقوة‭ ‬المنافسة‭ ‬التركية‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬إذ‭ ‬توظف‭ ‬تركيا‭ ‬كامل‭ ‬مقدرتها‭ ‬لتهديد‭ ‬التمدد‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭. ‬حيث‭ ‬يعمد‭ ‬القادة‭ ‬الأتراك‭ ‬على‭ ‬التذكير‭ ‬بالماضي‭ ‬الاستعماري‭ ‬الفرنسي‭ ‬لإفريقيا‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعمق‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬الوجود‭ ‬الفرنسي‭ ‬والشعوب‭ ‬الإفريقية‭. ‬ويشير‭ ‬الدكتور‭ ‬الفاتحي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬خطورة‭ ‬النفوذ‭ ‬التركي‭ ‬تزداد‭ ‬عقب‭ ‬تطور‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬المجال‭ ‬الحيوي‭ ‬التاريخي‭ ‬لفرنسا‭ ‬من‭ ‬تعاون‭ ‬اقتصادي‭ ‬وتجاري‭ ‬إلى‭ ‬تعاون‭ ‬عسكري‭. ‬وهو‭ ‬كما‭ ‬جسدته‭ ‬الصفقة‭ ‬التي‭ ‬وقعتها‭ ‬تركيا‭ ‬والنيجر‭ ‬في‭ ‬2020‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬المعادن‭ ‬والتي‭ ‬سمحت‭ ‬أيضا‭ ‬بتوقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬تعاون‭ ‬عسكري‭ ‬يمكن‭ ‬تركيا‭ ‬مستقبلا‭ ‬من‭ ‬إقامة‭ ‬قاعدة‭ ‬عسكرية‭ ‬مماسمح‭ ‬لها‭ ‬بمضاعفة‭ ‬وجودها‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬الجنوب‭ ‬الليبي‭ ‬للإبقاء‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬مواقفها‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬شرقي‭ ‬المتوسط‭ ‬ضد‭ ‬المصالح‭ ‬اليونانية‭ ‬والفرنسية‭.‬

معتبرا‭ ‬أن‭ ‬تركيا‭ ‬سارعت‭ ‬إلى‭ ‬زيارة‭ ‬مالي‭ ‬عقب‭ ‬الانقلاب‭ ‬العسكري‭ ‬بل‭ ‬وسعت‭ ‬للدخول‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬مع‭ "‬السلطة‭ ‬الانتقالية‭" ‬في‭ ‬باماكو،‭ ‬استثمارا‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬يضعف‭ ‬الموقف‭ ‬الفرنسية‭. ‬حيث‭ ‬يعد‭ ‬الانقلاب‭ ‬العسكري‭ ‬ضربة‭ ‬موجعة‭ ‬للعمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬والاستخباراتية‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬الساحل‭ ‬الأفريقي‭.‬

 

حلف‭ ‬روسي‭ ‬تركي‭ ‬محتمل

 

التوتر‭ ‬الحالي‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه‭ ‬مالي،‭ ‬واتجاه‭ ‬الأنظار‭ ‬الدولية‭ ‬والاتهامات‭ ‬لروسيا‭ ‬ببسط‭ ‬مليشيا‭ "‬فاغنر‭"‬،‭ ‬يجعل‭ ‬التساؤلات‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬إمكانية‭ ‬تحالف‭ ‬تركي‭ ‬روسي‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬المالية‭ ‬لتعويض‭ ‬الوجود‭ ‬الفرنسي‭ ‬هناك،‭ ‬حيث‭ ‬يرى‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬الفاتحي‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬تهتم‭ ‬كثيرا‭ ‬بمالي،‭ ‬وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬مواقف‭ ‬البلدين‭ ‬من‭ ‬التواجد‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬جدا‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬تنسيق‭ ‬بين‭ ‬تركيا‭ ‬وروسيا‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لضغوط‭ ‬دولية‭ ‬بسبب‭ ‬استعانة‭ ‬الحكومة‭ ‬المالية‭ ‬بخدمات‭ ‬مجموعة‭ "‬فاغنر‭" ‬شبه‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭. ‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬تاج‭ ‬الدين‭ ‬الحسيني‭ ‬من‭ ‬جانبه‭ ‬يستبعد‭ ‬هذا‭ ‬الاحتمال،‭ ‬لكون‭ ‬تركيا‭ ‬وقبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬عضو‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬الحلف‭ ‬الأطلسي‭ ‬وبالتالي‭ ‬فهي‭ ‬لها‭ ‬علاقات‭ ‬وطيدة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬تعارض‭ ‬المصالح‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناطق‭ ‬العالم،‭ ‬ولكن‭ ‬أردوغان‭ ‬وفق‭ ‬الدكتور‭ ‬الحسيني،‭ ‬لا‭ ‬يمتنع‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬عن‭ ‬تطبيق‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالتحالفات‭ ‬الظرفية‭ ‬والمحددة‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬معينة‭ ‬ولأغراض‭ ‬محددة،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬غيرما‭ ‬مرة‭ ‬إلى‭ ‬الامتعاض‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬نقد‭ ‬مواقفه‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تثبت‭ ‬على‭ ‬حال‭. ‬وأشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الحضور‭ ‬التركي‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬كون‭ ‬تركيا‭ ‬قوة‭ ‬صاعدة‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الاقليمي‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬صاعدة‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الدولي‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬من‭ ‬منابر‭ ‬توازن‭ ‬القوى‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

بات‭ ‬واضحا‭ ‬أن‭ ‬الحضور‭ ‬الفرنسي‭ ‬التقليدي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬ومالي‭ ‬خصوصا‭ ‬بات‭ ‬مرتبكا،‭ ‬عدا‭ ‬عن‭ ‬تراجع‭ ‬هذا‭ ‬الوجود‭ ‬الفرنسي‭ ‬لصالح‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬حتى‭ ‬بات‭ ‬الاهتمام‭ ‬الدولي‭ ‬فيما‭ ‬يهم‭ ‬الملف‭ ‬المالي،‭ ‬يُعنى‭ ‬بترقب‭ ‬المتدخلين‭ ‬الجدد‭ ‬المحتملين،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مراقبة‭ ‬انتشار‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التجاذبات‭ ‬المستمرة‭ ‬بهذا‭ ‬الخصوص‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬فراغ‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬تسعى‭ ‬أنقرة‭ ‬ودول‭ ‬أخرى‭ ‬لأن‭ ‬تشغله‭.‬