
صرح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون - في مقابلة مع مجلة "لوبوان" (Le Point) الفرنسية أواخر ماي من السنة الماضية - أن "الجزائر تتمتع بعلاقات ممتازة مع الأتراك الذين استثمروا نحو 5 مليارات دولار من دون أي مطالب سياسية، ومن أزعجتهم هذه العلاقة عليهم فقط أن يأتوا ويستثمروا عندنا"، في إشارة واضحة إلى الفرنسيين.
تصريح سياسي لم يكن اعتباطيا من قبل الرئيس الجزائري، وهو ما اعتبرته أوساط فرنسية عديدة ابتزازا سياسيا مبطنا في قالب الدفاع عن مصالح الدولة الجزائرية وما غذى هذا الاعتقاد هو الجفاء الظاهر في العلاقات الجزائرية الفرنسية خلال السنوات الاخيرة.
صراعات قوم عند قوم فوائد
التوجه نحو أنقرة لم يكن خيارا بالنسبة للجزائر حسب العديد من المراقبين، خصوصا وأنها (الجزائر) لم تستطع محو الصورة التي تشكلت عنها كدولة لا تتوفر على القدر الكافي من النضج السياسي والاستراتيجي. ويكفي في هذا الإطار التأمل في تعليق للمجلة الإيطالية المختصة في الشؤون الجيو-سياسية "لايمس"، على قرار عدم تجديد اتفاقية خط أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي أحادي الجانب وغير المبرر، حيث أكدت أن الجزائر "شريك غير موثوق وميال إلى ابتزاز أوروبا".
حالة المزاجية السياسية للجزائر وفتحها جبهات صراع متعددة مع أقرب جيرانها وشركائها التاريخيين، التقت موضوعيا مع طموح مشروع لتركيا في التوسع داخل القارة الأفريقية وفتح أسواق جديدة. وبدا للأتراك أن الشروط مهيأة خلال هذه المرحلة أكثر من غيرها لإحياء هذا الطموح وإعطائه زخما أكبر.
بطموح غير خاف للرئيس التركي أردوغان من أجل فتح صفحة تعاون جديدة مع الجزائر، قام هذا الأخير بزيارة رسمية لها سنة 2013، إلاّ أنّ مخرجات هذه الزيارة وجلسات العمل المتعددة مع المسؤولين ورجال الأعمال بقيت دون المأمول خاصّة مع دخول الجزائر مرحلة الجمود السياسي في أواخر عهد بوتفليقة. لكن مع مجيء الرئيس تبون إلى الحكم، حاول الجانب التركي مجدداً، ولقيت هذه المحاولات صداها في الجزائر خصوصا بعد سلسلة من التحوّلات الإقليمية التي انخرطت فيها أنقرة وبقوّة خصوصا في شرق البحر المتوسط وفي ليبيا.
تركيا والجزائر.. اختلافات في النموذج وتقاطعات السياسة
يؤكد الأستاذ طارق جدات باحث في العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش في حديث لمجلة BAB، أن الجمهورية التركية الحديثة عاشت مجموعة من التجاذبات الداخلية والخارجية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى اليوم. وهي فترة زمنية قصيرة في عمر دولة امتدت قبل ذلك، تميزت بتشبث تركيا بالنموذج الغربي المبني من جهة على العلمانية كمنهاج أرساه أتاتورك، وعلى التعددية والانفتاح من جهة ثانية. كما أن موقعها الجغرافي الذي يجمع بين قارتي أوروبا وآسيا، لتكون في خط التماس المباشر مع القطب الاشتراكي السوفياتي زعيم حلف وارسو، وامتدادا للقطب الغربي الأمريكي وعضوا في حلفه العسكري الناتو. بعد انتهاء فترة الحرب الباردة، ورغم عدم قبول انضمامها للاتحاد الأوروبي، فإن تركيا استطاعت أن تحقق قفزات اقتصادية وسياسية وتنموية لتصبح قوة جهوية لها مكانتها في العالم ويتواجد يرتكز على العاملين الأساسيين (الهارد والسوفت باور "القوة الصلبة والناعمة").
ويضيف الأستاذ جداد بأن تركيا أيضا هي من الدول التي استطاعت توظيف مجموعة من الملفات الحساسة على الصعيد الدولي لتبني علاقات متشعبة ومتنوعة مع القوى الاقتصادية والعسكرية المتنافرة في عالم متعدد الأقطاب، وهو أمر يتضح جليا من خلال جرد أولي للاتفاقيات التجارية الحرة وغيرها التي تجمع تركيا مع عدد من دول العالم، حيث نصيب إفريقيا من هذه الاتفاقيات مع ثلاث دول وهي تونس، والمغرب ومصر (نتحدث هنا عن الاتفاقيات الجهوية حسب قوانين المنظمة العالمية للتجارة).
أما بالنسبة للجزائر، فيلاحظ الاستاذ جداد بأنها دولة اختارت بعد استقلالها سنة 1961 أن تعتمد التوجه الاشتراكي والانضمام للقطب الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفياتي مع كل ما يترتب عن هذا الاختيار الاستراتيجي لدولة حديثة خرجت لتوها من استعمار طال لعقود وأكثر. ولعل أهم ما يميز علاقاتها الدولية، هو غيابها التام في الاتفاقيات التجارية الجهوية (حسب الموقع الرسمي لمنظمة التجارة العالمية)، وهي اتفاقيات تعكس القدرة الحقيقية للدول على الانفتاح ونسج علاقات تجارية واقتصادية متينة مع دول أخرى.
فالجزائر يضيف الأستاذ جداد ليست بالعضو في أي تحالف إفريقي جهوي- اللهم إن استثنينا اتحاد المغرب العربي غير المفعل، كما أن قدرتها وقوتها الطاقية كمزود رئيسي لأوروبا بالطاقة، لم يمكناها من وضع رؤية استراتيجية تفتح لها أبواب إفريقيا. فالجزائر الحالية يعاب عنها أنها مصابة بالغرور والتعالي على دول أفريقيا من خلال اصرارها على التعامل معهم بمنطق الوصاية، وهو أمر قد يجد تفسيره في استمرارها على العيش على أطلال فترة قصيرة من عمرها الجديد، سيما في الفترة بين ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته. ولعل أكبر صدمة تلقتها دولة الجزائر تمثلت خصوصا في رفض ترشيح وزير خارجيتها الأسبق وسفيرها بلشبونة (2004-2005) لمنصب مبعوث الأمم المتحدة في الملف الليبي رغم دعمه من قبل الأمين العام الحالي السيد أنتونيو غوتيريس. فشل دبلوماسي آخر عاشته الجزائر في القمة الأفريقية الأخيرة من خلال انتخاب المغرب عضوا في مجلس السلم والأمن الأفريقى بأغلبية ثلثي الدول، رغم كل المحاولات والمناورات الجزائرية، حيث تأكد بالملموس ضعف مصداقية الجزائر وعدم قدرتها على التأثير على قرارات الدول من جهة، وكذا على إيمان ووعي الدول الإفريقية بتغليب كفة العقل والمنطق في تعاملاتها من جهة ثانية.
بوابة "حصرية "لتركيا نحو إفريقيا
يرى الباحث في العلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية، سفيان لوطيي، في حديث لمجلة BAB، بأن تركيا اليوم تلعب دورًا مهما في إفريقيا وتعمل على تطوير علاقاتها مع الدول الأفريقية يوما بعد يوم وبشكل هادئ نظرًا لكون التواجد التركي في منطقة البحر الأبيض المتوسط يثير بعض التوترات السياسية والدبلوماسية. وأضاف أنه بناء على هذه القراءة للوضع في المنطقة تحاول الجزائر أن تكون نقطة ارتكاز قوية لتركيا لتحقيق هذا الهدف.
ويستدل لوطيي بحضور الجزائر على مستوى سياسي-دبلوماسي عالٍ في القمة الثالثة للشراكة التركية الأفريقية، التي عقدت في 18 دجنبر 2021 في اسطنبول. حيث مثل رئيس الوزراء أمين بن عبد الرحمن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في أعمال هذا المؤتمر، وهي رسالة قوية من الجزائر العاصمة إلى أنقرة.
راهنت القمة التركية الافريقية على بث روح جديدة في الشراكة بين تركيا ودول القارة الأفريقية والتي يقدر حجم تجارتها العام الماضي من 27 مليار دولار أمريكي. وقد مكنت هذه القمة الجزائر وأنقرة من إعادة التأكيد على الطبيعة الاستراتيجية لعلاقتهما، وتم تسليط الضوء مجددا على هذه العلاقات الاستراتيجية خلال زيارة العمل، التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يومي 26 و27 يناير 2020 إلى الجزائر العاصمة حيث تم الاتفاق على تكثيف الشراكة الاقتصادية وتعزيز الحوار السياسي حول القضايا الإقليمية والدولية. بالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء مجلس تعاون رفيع المستوى بين الجزائر وتركيا كمقدمة لتجسيد رغبة الطرفين في إبرام اتفاقية تجارة حرة.
ويؤكد الباحث سفيان لوطيي بأن الجزائر تعتبر من وجهة نظر تركيا بوابة اقتصادية مهمة في شمال إفريقيا وفي إفريقيا جنوب الصحراء، وبالتالي تراهن على آن تكون الامتداد الطبيعي للتنمية ذات المنفعة المتبادلة في القارة الأفريقية، إضافة إلى التنسيق بين الجانبين في قضايا إقليمية ولا سيما الأزمة الليبية.
ووفقًا للمراقبين، انطلقت العلاقات بين أنقرة والجزائر مرة أخرى مع قيام تركيا بتسليم كبير ضباط الصف المتقاعد بونويرة المقرب من رئيس الخدمة العسكرية السابق، المتهم بالكشف عن أسرار عسكرية، والذي فر من البلاد في اليوم التالي لوفاة رئيسه. وقيل حينها إنه حاول التفاوض لمنحه جنسية أخرى مقابل وثائق سرية كان قد سرقها.
ومن المعروف أن العلاقات بين الجزائر وتركيا تتوافق مع تفاعلات دبلوماسية وثقافية واقتصادية بين البلدين تجد جذورها في الحقبة التي كانت فيها الجزائر ضمن الإمبراطورية العثمانية. ومنذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تم بناء العلاقات حول مسائل دبلوماسية رئيسية تمحورت حول القضية الفلسطينية، وليبيا، حيث يتفق البلدان، في الوقت الحالي، وتجمعهما مواقف مشتركة.
وبحسب تصريحات رسمية، سيتم تطوير مشاريع استثمارية تركية جديدة في الجزائر في قطاعات الصناعة والطاقة والطاقات المتجددة والزراعة والسياحة والصحة. وأكد السفير التركي Mahimur Ozdemir Goktas مؤخرًا أن الشركات التركية الموجودة في الجزائر ستواصل الاستثمار في المشاريع الواعدة، وعلى وجه الخصوص إقامة مشروع جديد لمجموعة Tosyali التركية، بمبلغ إجمالي قدره 1.7 مليار دولار لإنتاج الصلب في وهران (المنطقة الغربية) والذي سيشرع في الإنتاج قبل نهاية عام 2023 وسيمكن من التصدير إلى الأسواق التركية والأوروبية والأمريكية. وسيتم دعم دخول هذه الوحدة إلى الخدمة من خلال منطقة ميناء مخصصة في ميناء أرزيو (30 كم من وهران). ومن بين المشاريع الاستثمارية الأخرى التي ذكرها السفير التركي، مشروع القطاع الزراعي المخطط له في أدرار (المنطقة الجنوبية) بمبلغ إجمالي قدره 20 مليون دولار استثمرت في إنتاج الألبان والقمح. بالإضافة إلى ذلك، فإن المجمع المتكامل لتجارة النسيج لمجموعة "طيال" التركية بغليزان (المنطقة الغربية) سيطلق قريباً، بحسب الدبلوماسي، إضافة إلى مشروع إنتاج محلي آخر للقطن للحد من استيراد هذه المادة.
من حيث الاستثمار المباشر، استثمرت تركيا بالفعل أكثر من 5 مليارات دولار في الجزائر، خاصة في قطاعات الصلب والكيماويات والمنسوجات والأدوية والبناء، مما خلق أكثر من 30 ألف فرصة عمل. في مجال البناء والإسكان، نفذت الشركات التركية 550 مشروعًا للبنية التحتية والإسكان بقيمة 20 مليار دولار، والمشاريع المشتركة الجزائرية التركية تجاوز عددها 1300 مشروعا.
تركيا في الجزائر.. أجندة اقتصادية بالدرجة الأولى
يعتبر الأستاذ سفيان لوطيي بأن ترميم مسجد كتشاوة في الجزائر (شيّده حسن باشا سنة 1792) من قبل وكالة التنمية التركية (تيكا) يوضح بجلاء الدور الذي تنوي تركيا أن تلعبه في الجزائر الولاية العثمانية السابقة، دون إغفال السياسة الواقعية والحس التجاري.
حوالي 500 سنة من التاريخ يربط بين البلدين، أي منذ ذلك اليوم من عام 1519، عندما اقترح القرصان بربروسا ضم وصاية الجزائر العاصمة إلى الباب العالي، حتى 30 يونيو 2020، عندما تبرعت أنقرة للجزائر بترسانة طبية كاملة لمكافحة فيروس كورونا.
زيارات رسمية قام بها رجب طيب أردوغان كرئيس للوزراء (2006 و 2013)، ثم كرئيس، بالإضافة إلى توقيع اتفاقية صداقة وتعاون (2006) عززت العلاقات الثنائية وعززت التجارة، بما يعادل إلى نحو 4 مليارات دولار.
مع وجود ما يقرب من 800 شركة في الجزائر، حسب أرقام رسمية، فإن الأتراك هم أكبر أرباب العمل الأجانب (28000 شخص)، وخارج قطاع الهيدروكربونات، أكبر المستثمرين (حوالي 3.5 مليار دولار).
الغاز الجزائري في تركيا
تركيا حاضرة في قطاعاتها المفضلة (البناء والصلب والمنسوجات)، ولكن أيضًا في الغذاء والطاقة. الجزائر هي المورد الرابع للغاز. وبالتالي، فإن شركة Sonatrach مرتبطة بشركة Botas التركية بموجب اتفاقية تنص على التسليم السنوي لـ 5.4 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال حتى عام 2024. وتعمل الشركة أيضًا مع مجموعة Rönesans على بناء مصنع للبتروكيماويات بالقرب من أضنة ( جنوب تركيا) والذي من المقرر افتتاحه هذه السنة بتكلفة تصل الى 1.4 مليار دولار.
بالنسبة للأستاذ طارق جداد فإن الحضور التركي في شمال القارة قد يكون مبنيا على الاستراتيجية الدبلوماسية "العثمانية الجديدة"، وهو ما يعكسه تصريح الرئيس التركي "ليبيا، هذه الأراضي التي بصم أجدادنا التاريخ بها". الملف الليبي قد يكون من بين أهم الملفات التي تناولها أردوغان خلال زيارته للجزائر، لكن الأكثر أهمية في هذه الزيارة على ما يبدو كان هو الغاز والنفط الجزائريين لتنوع تركيا مصادرها الطاقية. تركيا تستورد 90 بالمائة من حاجياتها الطاقية التي تنمو بمعدل 8 بالمائة كل سنة من كل من روسيا، وإيران، وقطر وأذربيجان. وهو التوجه الذي تؤكده الأرقام، فتركيا تستورد من الجزائر الطاقة فقط، في حين تصدر لها السيارات وقطع غيارها والالبسة والحديد والفولاذ. كما أن تركيا هي أول مستثمر أجنبي بالجزائر بأزيد من 1500 شركة تركية تعمل في مجموعة من المجالات، وقد تبلغ هذه الاستثمارات 6 مليارات دولات سنة 2022، كما أن عدد السياح الجزائريين الذين يزورون تركيا فاق 300 ألف سائح سنة 2018. غير أن الجزائر حققت عجزا تجاريا وصل أقصاه سنة 2020 مع اعتماد صادراتها على الطاقة فقط.
ويضيف الأستاذ جداد بأن العلاقات الجزائرية التركية على ما يبدو، تتطلع لمستقبل غامض في ظل ضعف النسيج الاقتصادي الجزائري، وهشاشة الوضعية السياسية والاجتماعية للجزائر، سيما وأن الجزائر تتموقع في قلب الساحل الأفريقي الذي يقلق الأمن والسلم الأفريقي والدولي. ففي الآونة الأخيرة، عرفت هذه المنطقة تحركات وتفاعلات بين الدول قد يؤدي لظهور أطراف أخرى في هذه المنطقة الحساسة التأثير على الغرب والوسط الأفريقي. أكيد أن الجزائر ليست الآن في مجلس السلم والامن الافريقي، غير أن أمن وسلم هذه المنطقة هو من أمنها وسلمها لكونها الفاصل بين الجماعات المتطرفة وآبارها النفطية.
المغرب في المعادلة الجزائرية
تنظر الجزائر بكثير من التوجس للعلاقات المغربية التركية، انطلاقا من عقيدة سياسية تجذرت داخل الطبقة السياسية بقصر المرادية، مع عقلية تنهل من فرضية التفوق الجيوسياسي داخل المنطقة، وهو ما يجعلها تضع ورقة المغرب على طاولة المفاوضات مع شركائها المحتملين، الأمر الذي رفضته أوربا خلال أزمة الغاز الاخيرة، ولا تسايره تركيا اليوم حيث يحافظ الأتراك على مسافة أمان كافية في خضم تحرش الجزائر بجارتها الغربية درءا لحوادث سياسية أو ديبلوماسية لا تنوي تركيا الوقوع فيها خصوصا مع شريك بثقل سياسي ومصداقية عالية على الساحة الدولية.
ويعتبر جل المحللين بأنه بإمكان المغرب وتركيا إقامة تعاون سياسي واقتصادي واعد، يقوم على الاحترام المتبادل والمصالح الوطنية، بالإضافة إلى الروابط الثقافية والدينية المشتركة، فكلاهما فاعل جيوسياسي مهم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط والعالم الإسلامي ككل. وهو ما لا تنظر إليه الجزائر بعين الرضا باعتبار عقيدتها السياسية المبنية على منطق الاصطفاف الأعمى والخلط بين التعاون السياسي والاقتصادي.
على مدى العقدين الماضيين، كثف المغرب وتركيا علاقاتهما الدبلوماسية وحجم التجارة بينهما، وتبادل الخبرات في العديد من القطاعات مثل الهجرة والتعاون العسكري والشؤون الأمنية وكذلك قطاعي النسيج والبناء.
يعتبر الدكتور علي الزبيدي في حديث لمجلة BAB بأن تركيا تعتبر المغرب شريكًا مهمًا بالنظر إلى ديناميكية الاقتصاد المغربي والموقع الجغرافي للمملكة كبوابة إلى إفريقيا. ولكن هناك أيضًا جانب تنافسي في هذه العلاقة.
ويوضح الأستاذ الباحث في مركز أبحاث ديناميات الأمن بجامعة سطات. أنه منذ عام 2011، تشير العلاقات التركية المغربية إلى حالة من التردد في إقامة علاقات قوية. فبدعوة من رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بنكيران في عام 2013، زار رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان المغرب، سعياً وراء شراكة استراتيجية، لكن لوحظ بأن الاتحاد العام لمقاولات المغرب (أكبر منظمة لرجال الأعمال المغاربة) لم يتفاعل مع زيارة أردوغان.
وأكد الدكتور علي الزبيدي أنه في صيف 2016، أي بعد الزيارة بعامين، أدان المغرب محاولة الانقلاب على الرئيس التركي أردوغان وتفاعل مع طلب الحكومة التركية بإغلاق مؤسسات فتح الله غولن في المغرب حيث أغلق المغرب في عام 2017 سبع مدارس تابعة للمنظمة، وأضاف الزبيدي بأن المغرب وتركيا، وبصفتهما قوتين إقليميتين تشتركان في مصالح ومخاوف أمنية مشتركة في المنطقة المغاربية، تشاركان في عملية تسوية الصراع الليبي ودعا البلدان جميع الأطراف إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار. فالحكومة المغربية تنظر إلى حكومة الوفاق الوطني باعتبارها المحاور الشرعي بينما تدعم تركيا أيضًا حكومة الوفاق الوطني. ومع ذلك، تسبب التدخل العسكري التركي في ليبيا في يناير 2020، في صدع مؤقت بين الرباط وأنقرة.
بالنسبة للدكتور الزبيدي فالعلاقات بين المغرب وتركيا، تظهر مدفوعة بتبادلات اقتصادية متبادلة المنفعة، وهناك العديد من بوادر التقارب، خاصة وأن لكلاهما قضايا متشابهة مثل تقاسم الحدود مع الاتحاد الأوروبي، ورفض الحركات الانفصالية، والرغبة في الترسيخ الإقليمي لسياستهما الاقتصادية والعسكرية.
تركيا على خطوط التماس المغاربية
بينما تستند العلاقات الثنائية بين المغرب وتركيا إلى المصالح المشتركة في مجالات الأمن والهجرة والتنمية وسلامة الأراضي، أثرت المواجهة الخليجية السابقة على الاستقرار الإقليمي وأدت إلى مزيد من الاستقطاب الجيوسياسي في منطقة المغرب العربي. لطالما كان التنافس الطويل الأمد بين القوتين المهمتين في شمال إفريقيا، المغرب والجزائر، هو العامل الحاسم في خطوات القوى الدولية والإقليمية تجاه المنطقة. يعد الحفاظ على العلاقات الاقتصادية والسياسية مع كلا البلدين عاملاً مهمًا في إصرار تركيا على سياسة محايدة تجاه البلدين.
يؤكد الدكتور على الزبيدي في هذا الإطار بأنه من أكثر القضايا حساسية وأهمية قضية الصحراء المغربية، بحيث تقدم الجزائر دعمًا ماليًا وسياسيًا لميليشيات البوليساريو الانفصالية، وقد أدت علاقة تركيا بالجزائر وعدم وضوحها في هذه القضية إلى توتر العلاقات بينها وبين المغرب.
في دجنبر 2019، بثت قناة TRT World التركية الرسمية مقابلة مع الانفصالية الصحراوية أمينتو حيدر. أثار خطاب حيدر النقدي تجاه الدولة المغربية موجة من الانتقادات من قبل وسائل الإعلام المغربية. واعتبر البث ابتزازًا بعد دعوة الحكومة المغربية لإعادة تعديل اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا.
من الناحية الاقتصادية، تعد زيارة وزير الخارجية الجزائري السابق صبري بوقدوم إلى تركيا في الأول سبتمبر 2020، والتزامه بتقديم فرص مهمة للشركات المستثمرة التركية، مؤشرا على التنافس بين المغرب والجزائر.
ويخلص الدكتور علي الزبيدي الى أن هناك العديد من المجالات التي توجد فيها مصالح ووجهات نظر مشتركة بين المغرب وتركيا، لا سيما فيما يتعلق بليبيا ومنطقة جنوب الصحراء الكبرى. ستتحدد العلاقات المغربية التركية من خلال مستقبل الصراع الليبي، وعلاقات تركيا مع دول المغرب المجاورة، وتطور العلاقات التجارية والاقتصادية. ولأسباب اقتصادية وسياسية، من المرجح أن يظل الحفاظ على العلاقات الجيدة بين أنقرة والرباط أولوية لكلا البلدين.
الضغط على فرنسا بورقة تركيا
مؤشرات متعددة على توظيف الورقة الاقتصادية من أجل إخضاع الإيليزي ومعه بروكسيل للآجندة السياسية لساكني قصر المرادية من بينها حسب محللين جزائريين، وقف العمل مع مكاتب الدراسات الأجنبية في المشاريع الكبرى، وأغلبها فرنسية، وتراجع واردات القمح بنسبة 50٪ لسنة 2020، وهي الأولى من نوعها منذ 58 سنة، وعدم تجديد عقد تسيير المياه لشركة (سويز) الفرنسية، وكذلك عدم تجديد عقد مترو الجزائر، ورفض السلطات الجزائرية استحواذ شركة "توتال" (Total) على حصة "أناداركو للنفط" (Anadarko Petroleum) الأميركية بـ5.5 مليارات دولار، فضلا عن عدم تمكين الشركات الفرنسية سابقا من صفقات المسجد الأعظم بنحو 2 مليار دولار.
كل ذلك أشار على وجود نية واضحة لدى السلطات الجزائرية في التوجه نحو الغريم السياسي التاريخي لفرنسا، ومنح تركيا فرصة اقتحام قلعة كانت محسوبة الى وقت قريب على محور باريس.
تصريح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لمجلة "لوبوان"، وإن حمل تقريعا خفيا لشريكه التاريخي فرنسا، ونثر الورود تحت أقدام شريكه، القديم منذ أن كان "إيالة عثمانية تابعة لإمرة الباب العالي"، والجديد مع وصول تبون للقصر الرئاسي، لكنه ترك الباب مفتوحا وان بلغة مشفرة لفرنسا ومن خلفها اوربا، بشروط واضحة وإن كانت غير معلنة اختصرها في جملته "من دون أي مطالب سياسية" وكذلك جملة "من أزعجتهم هذه العلاقة (مع تركيا)عليهم فقط أن يأتوا و يستثمروا عندنا"، الأمر الذي جعل المحللين والمراقبين يعتبرون بأن الأمر في مجمله عملية ابتزاز سياسية لأوروبا عبر تقييد مصالح ومواقف سياسية وبالأخص في الملفات المرتبطة بالمنطقة المغاربية، بورقة الاقتصاد وتقوية نفوذ الغريم السياسي لباريس أنقرة.