تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

تركيا تلاعب الكبار لتأمين مصالح استراتيجية مستقلة

Par
مصطفى بوبكراوي
© ح م
تعليقا على الضجة التي أثارتها صفقة اقتناء تركيا لمنظومة الدفاع الصاروخي الروسية إس 400، تحدثت إحدى أشهر القنوات التلفزيونية الأوروبية عن "ورطة " رجب طيب أردوغان (الرئيس التركي) بين واشنطن وموسكو. لكن عند استعراض المواقف التركية في العديد من الملفات الإقليمية يتضح أن ما قد يبدو "ورطة"، يمثل سياسة إرادية من تركيا الدولة في سعيها لبناء وحماية وتعزيز مصالح استراتيجية مستقلة، لا تكون رهينة قرار أو مزاج حليف أو شريك.

تركيا‭ ‬العضو‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬توقع‭ ‬صفقة‭ ‬لاقتناء‭ ‬منظومة‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬إس‭ ‬400‭ ‬من‭ ‬روسيا‭. ‬القوات‭ ‬التركية‭ ‬تهاجم‭ ‬القوات‭ ‬الكردية‭ ‬الحليف‭ ‬المعلن‭ ‬الوحيد‭ ‬لواشنطن‭ ‬في‭ ‬سوريا‭. ‬الدعم‭ ‬العسكري‭ ‬التركي‭ ‬يمنح‭ ‬التفوق‭ ‬لأذربيجان‭ ‬في‭ ‬مواجهتها‭ ‬العسكرية‭ ‬مع‭ ‬أرمينيا‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬تعتبرها‭ ‬موسكو‭ ‬حديقتها‭ ‬الخلفية‭.‬

إنها‭ ‬مشاهد‭ ‬قد‭ ‬تدفع‭ ‬إلى‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬مواقف‭ ‬تركيا‭ ‬وتحالفاتها‭ ‬غير‭ ‬محكومة‭ ‬بمنطق‭ ‬ثابت،‭ ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬تركيا‭ ‬القوة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العسكرية‭ ‬المتوسطة،‭ ‬تسعى،‭ ‬كغيرها،‭ ‬لاستثمار‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تتيحه‭ ‬تقلبات‭ ‬وضع‭ ‬إقليمي‭ ‬ونظام‭ ‬عالمي،‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬لبناء‭ ‬وحماية‭ ‬مصالح‭ ‬استراتيجية‭ ‬مستقلة‭ ‬بالقدر‭ ‬الممكن‭ ‬عن‭ ‬الحليف‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وعن‭ ‬موسكو،‭ ‬الشريك‭ ‬حينا‭ ‬والخصم‭ ‬أحيانا‭.‬

فبعد‭ ‬أن‭ ‬أغلق‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬أبوابه‭ ‬أمام‭ ‬أنقرة‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬فرنسي‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬ستركز‭ ‬الدولة‭ ‬التركية،‭ ‬بقيادة‭ ‬طيب‭ ‬رجب‭ ‬أردوغان،‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬ورعاية‭ ‬مصالح‭ ‬استراتيجية‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬وفي‭ ‬منطقة‭ ‬وسط‭ ‬آسيا‭ ‬والقوقاز‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيفتح‭ ‬الباب‭ ‬لمواجهة‭ ‬مع‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬حلفاء‭ ‬واشنطن‭ ‬التقليديين،‭ ‬ومع‭ ‬موسكو‭ ‬وحلفائها‭ ‬الدائمين‭ ‬أو‭ ‬الظرفيين‭ ‬في‭ ‬المنطقتين‭.‬

 

تركيا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭.. ‬حليف‭ ‬الضرورة‭ ‬

 

‭"‬حليف‭ ‬الضرورة‭".. ‬هكذا‭ ‬تنظر‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬واشنطن‭ ‬وأنقرة‭ ‬لبعضهما‭ ‬البعض‭. ‬فتركيا،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬سقوط‭ ‬جدار‭ ‬برلين‭ ‬ووصول‭ ‬قوات‭ "‬الناتو‭" ‬إلى‭ ‬بولونيا‭ ‬وجمهوريات‭ ‬البلطيق،‭ ‬مازالت‭ ‬عضوا‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بفضل‭ ‬موقعها‭ ‬الجغرافي‭ ‬الذي‭ ‬يتيح‭ ‬إقامة‭ ‬قواعد‭ ‬عسكرية‭ ‬للتدخل‭ ‬في‭ ‬ثلاثة‭ ‬دوائر‭ ‬صراع‭ ‬على‭ ‬النفوذ،‭ ‬هي‭ ‬أوروبا‭ ‬وآسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬والشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬لأن‭ ‬الجيش‭ ‬التركي‭ ‬يمثل‭ ‬خزانا‭ ‬مهما‭ ‬للناتو،‭ ‬وربما‭ ‬الأهم‭ ‬بعد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬العناصر‭ ‬المقاتلة‭ ‬والعتاد‭ ‬البري‭.‬

وتحرص‭ ‬أنقرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭ ‬بورقة‭ ‬عضويتها‭ ‬في‭ ‬حلف‭ "‬الناتو‭" ‬خصوصا‭ ‬عندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالعلاقات‭ ‬مع‭ ‬أوروبا‭. ‬فتركيا‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬واشنطن‭ ‬لا‭ ‬تثق‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬حلفائها‭ ‬الأوروبيين،‭ ‬وخصوصا‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬المعروفة‭ ‬بمواقفها‭ ‬المتدبدبة‭ ‬من‭ ‬الناتو‭ ‬وسعيها‭ ‬المستمر‭ ‬لبناء‭ ‬قوة‭ ‬أوروبية‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬باريس،‭ ‬القوة‭ ‬النووية‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬حاليا،‭ ‬قوة‭ ‬كبرى‭ ‬وندا‭ ‬لواشنطن‭ ‬وموسكو‭ ‬وبكين‭.‬

ويكفي‭ ‬استرجاع‭ ‬مواقف‭ ‬واشنطن‭ ‬عند‭ ‬أي‭ ‬ارتفاع‭ ‬في‭ ‬حدة‭ ‬التوتر‭ ‬بين‭ ‬أوروبا‭ ‬وأنقرة‭ ‬مثلا،‭ ‬ليدرك‭ ‬المراقب‭ ‬أن‭ ‬تركيا‭ ‬تظل‭ ‬بالنسبة‭ ‬للبنتاغون‭ ‬حليفا‭ ‬عسكريا‭ ‬موثوقا‭ ‬مقارنة‭ ‬باتحاد‭ ‬أوروبي‭ ‬تتعدد‭ ‬سياساته‭ ‬بقدر‭ ‬تعدد‭ ‬أعضائه‭.‬

لكن‭ ‬هذا‭ ‬التحالف‭ ‬العسكري‭ ‬لم‭ ‬يمنع‭ ‬تركيا‭ ‬من‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬مصالح‭ ‬استراتيجية‭ ‬مستقلة‭ ‬نسبيا‭ ‬عن‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ملف‭. ‬ففي‭ ‬سوريا‭ ‬مثلا،‭ ‬كان‭ ‬لأنقرة‭ ‬الدور‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬وتسليح‭ ‬المعارضة‭ ‬السورية‭ ‬منذ‭ ‬2011،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تدفع‭ ‬بقواتها‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬سوريا‭ ‬للوقوف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬ما‭ ‬تصفه‭ ‬بالإرهاب‭. ‬إنه‭ ‬التوصيف‭ ‬الذي‭ ‬تطلقه‭ ‬السلطات‭ ‬التركية‭ ‬على‭ ‬المقاتلين‭ ‬الأكراد،‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬الحالة‭ ‬السورية‭ ‬مقاتلو‭ " ‬قسد‭" (‬قوات‭ ‬سوريا‭ ‬الديمقراطية‭) ‬الذين‭ ‬تمولهم‭ ‬وتسلحهم‭ ‬وتحميهم‭ ‬واشنطن‭ ‬باعتبارهم،‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬ذراعا‭ ‬فعالا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ "‬داعش‭"‬،‭ ‬ولا‭ ‬تهاجمهم‭ ‬القوات‭ ‬النظامية‭ ‬السورية،‭ ‬إلا‭ ‬فيما‭ ‬ندر،‭ ‬باعتبارهم‭ ‬حليفا‭ ‬موضوعيا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬تركيا‭ ‬بالتحديد‭.‬

وفي‭ ‬سوريا‭ ‬أيضا‭ ‬فاوضت‭ ‬أنقرة‭ ‬موسكو‭ ‬و‭ ‬تمخضت‭ ‬المفاوضات‭ ‬عن‭ ‬اتفاقات‭ ‬وتفاهمات‭ ‬بعضها‭ ‬لم‭ ‬يحض‭ ‬بدعم‭ ‬أمريكي‭.‬

وفي‭ ‬الملف‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ستتحرك‭ ‬تركيا‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬يعاكس‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي،‭ ‬أو‭ ‬يتجاوز‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬السقف‭ ‬المقبول‭ ‬أمريكيا،‭ ‬أي‭ ‬الولوج‭ ‬إلى‭ ‬الملف‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬بوابة‭ ‬رام‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬غير‭.‬

فقد‭ ‬أصبحت‭ ‬إسطنبول،‭ ‬وبشكل‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الدوحة،‭ ‬الواجهة‭ ‬الرئيسية‭ ‬التي‭ ‬ينطلق‭ ‬منها‭ ‬صوت‭ ‬فصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وخصوصا‭ ‬منظمة‭ ‬حماس،‭ ‬سواء‭ ‬خلال‭ ‬الاعتداءات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬المحاصر‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬التهدئة‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬الأزمة‭ ‬الخليجية‭ ‬والتي‭ ‬توجت‭ ‬بفرض‭ ‬حصار‭ ‬على‭ ‬قطر،‭ ‬كان‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬ملتبسا‭ ‬بين‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ (‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق‭) ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬ميلا‭ ‬للرياض‭ ‬وأبو‭ ‬ظبي‭ ‬ووزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية‭ (‬البنتاغون‭) ‬المتمسكة‭ ‬بحماية‭ ‬الحليف‭ ‬القطري‭ ‬وخصوصا‭ ‬القواعد‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬قطر‭. ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬عدم‭ ‬وضوح‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬الموقف‭ ‬التركي‭ ‬محسوما‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬دعم‭ ‬الدوحة‭ ‬سياسيا‭ ‬والأهم‭ ‬عسكريا‭ ‬أيضا‭.‬

وفي‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الساحات‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬أحداث‭ ‬الربيع‭ ‬العربي،‭ ‬كان‭ ‬لتركيا‭ ‬مواقف‭ ‬على‭ ‬الطرف‭ ‬النقيض‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الحلفاء‭ ‬البارزين‭ ‬لواشنطن‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وعلى‭ ‬ٍرأسهم‭ ‬السعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬وإسرائيل‭. ‬ولعل‭ ‬المثال‭ ‬الأوضح‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الصعيد‭ ‬هو‭ ‬الموقف‭ ‬التركي‭ ‬الداعم‭ ‬للرئيس‭ ‬المصري‭ ‬المنتخب‭ ‬بعد‭ ‬الثورة،‭ ‬الراحل‭ ‬محمد‭ ‬مرسي‭ ‬المنحدر‭ ‬من‭ ‬جماعة‭ "‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭" ‬وذلك‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أعلن‭ ‬قائد‭ ‬الجيش‭ ‬عن‭ ‬الإطاحة‭ ‬به‭ ‬وتعطيل‭ ‬الدستور‭ ‬في‭ ‬يوليوز‭ ‬2013‭. ‬

فقد‭ ‬استمرت‭ ‬أنقرة،‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬واحتضان‭ ‬المعارضين‭ ‬للنظام‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬والذي‭ ‬حظي‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬بدعم‭ ‬مالي‭ ‬ودبلوماسي‭ ‬وإعلامي‭ ‬سخي‭ ‬من‭ ‬الرياض‭ ‬وأبو‭ ‬ظبي،‭ ‬وبدعم‭ ‬معلن‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وبدعم‭ ‬أمريكي‭ ‬أصبح‭ ‬صريحا‭ ‬وبدون‭ ‬تحفظ‭ ‬خلال‭ ‬ولاية‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الليبية،‭ ‬وفي‭ ‬مقابل‭ ‬موقف‭ ‬أمريكي‭ ‬يفضل‭ ‬عدم‭ ‬التورط‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬الأزمة،‭ ‬فإن‭ ‬أنقرة‭ ‬ستذهب‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬تقديم‭ ‬دعم‭ ‬عسكري‭ ‬مباشر‭ ‬لحكومة‭ ‬طرابلس‭ ‬المعترف‭ ‬بها‭ ‬دوليا،‭ ‬وهو‭ ‬الدعم‭ ‬الذي‭ ‬لعب‭ ‬دورا‭ ‬حاسما‭ ‬في‭ ‬وقف‭ ‬زحف‭ ‬قوات‭ ‬الجنرال‭ ‬خليفة‭ ‬حفتر‭ ‬وطردها‭ ‬من‭ ‬مشارف‭ ‬العاصمة‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬الذي‭ ‬تحظى‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬روسيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬والجارة‭ ‬مصر‭ ‬ومن‭ ‬ورائها‭ ‬حلفاؤها‭ ‬الخليجيون‭.‬

ومنذ‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬أصبحت‭ ‬كل‭ ‬محاولات‭ ‬تسوية‭ ‬الأزمة‭ ‬الليبية‭ ‬رهينة‭ ‬بموقف‭ ‬أنقرة‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬رهينة‭ ‬بموقف‭ ‬موسكو‭ ‬وبدرجة‭ ‬أقل‭ ‬باريس‭ ‬ومن‭ ‬يقف‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬المعسكر‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭. ‬

وسيصل‭ ‬السعي‭ ‬التركي‭ ‬لرسم‭ ‬حدود‭ ‬أو‭ ‬لتحيين‭ ‬شروط‭ ‬التحالف‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬أوجه‭ ‬مع‭ ‬التوقيع‭ ‬في‭ ‬2017‭ ‬على‭ ‬صفقة‭ ‬اقتناء‭ ‬منظومة‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬الروسية‭ ‬إس‭ ‬400‭ ‬لنشرها‭ ‬في‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭ ‬بعضا‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬قواعد‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

لقد‭ ‬تصرفت‭ ‬أنقرة‭ ‬من‭ ‬منطق‭ ‬تقدير‭ ‬حاجيات‭ ‬دفاعية‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سحب‭ "‬الناتو‭" ‬منظومة‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬باتريوت‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬التركية‭. ‬كما‭ ‬تصرفت‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬قناعة‭ ‬بأنها‭ ‬ستظل‭ "‬حليفا‭ ‬ضروريا‭" ‬لواشنطن‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬الزوبعة‭ ‬التي‭ ‬أثارها‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬في‭ ‬حينه،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬تجميد‭ ‬ثم‭ ‬وقف‭ ‬مشاركة‭ ‬تركيا‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬مقاتلات‭ "‬إف‭ - ‬35‭" ‬وفرض‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬الصناعة‭ ‬العسكرية‭ ‬التركية‭ ‬والتماطل‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬صفقات‭ ‬تسليح‭.‬

ومع‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬معاكس‭ ‬أو‭ ‬مشاكس‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬للسياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬الخذلان‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬تشعر‭ ‬به‭ ‬أنقرة‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬الأمريكية‭ ‬اتجاه‭ ‬هذا‭ ‬الخصم‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬فإن‭ ‬كلا‭ ‬البلدين‭ ‬يعرف‭ ‬حدود‭ ‬لعبة‭ ‬استفزاز‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر،‭ ‬وهما‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬حريصان‭ ‬أشد‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬تحالفهما‭ ‬العسكري‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭.‬

 

تركيا‭ ‬وموسكو‭.. ‬الخصم‭ ‬الشريك

 

للوهلة‭ ‬الأولى‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬موسكو‭ ‬وأنقرة‭ ‬بمثابة‭ ‬متاهة‭ ‬يصعب‭ ‬الإمساك‭ ‬بالقواعد‭ ‬التي‭ ‬تحكمها‭. ‬فقد‭ ‬وجدت‭ ‬تركيا‭ ‬وروسيا‭ ‬نفسيهما‭ ‬وجها‭ ‬لوجه‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ملف‭ ‬وعلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬صعيد‭. ‬كما‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬مصالح‭ ‬كبيرة،‭ ‬بعضها‭ ‬ذي‭ ‬طبيعة‭ ‬استراتيجية،‭ ‬ليس‭ ‬أقلها‭ ‬أنبوب‭ ‬نقل‭ ‬الغاز‭ ‬الروسي‭ ‬إلى‭ ‬تركيا‭ ‬قبل‭ ‬مده‭ ‬نحو‭ ‬أسواق‭ ‬أخرى‭ ‬ولعبة‭ ‬تقاسم‭ ‬النفوذ‭ ‬في‭ ‬جمهوريات‭ ‬القوقاز‭ ‬وآسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬وخصوصا‭ ‬في‭ ‬الجمهوريات‭ ‬الناطقة‭ ‬بالتركية‭.‬

وتعد‭ ‬الساحة‭ ‬السورية‭ ‬المسرح‭ ‬الأكثر‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬تعقيدات‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬بلدين‭ ‬لا‭ ‬تفصل‭ ‬بين‭ ‬قواتهما‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬العربي‭ ‬سوى‭ ‬بضع‭ ‬عشرات‭ ‬من‭ ‬الكيلومترات‭.‬

يدعم‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬بوتين‭ ‬وبشكل‭ ‬واضح‭ ‬ومباشر‭ ‬نظام‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬وفر‭ ‬ويوفر‭ ‬للدب‭ ‬الروسي‭ ‬النافذة‭ ‬الوحيدة‭ ‬على‭ ‬المياه‭ ‬الدافئة‭ (‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭). ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬الاندفاع‭ ‬الروسي‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬حليف‭ ‬تاريخي‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬هو‭ ‬الأكبر‭ ‬والأكثر‭ ‬حدة‭ ‬ضمن‭ ‬تدخلات‭ ‬موسكو‭. ‬فقد‭ ‬شعر‭ ‬الرئيس‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬بمرارة‭ ‬خدعة‭ ‬استراتيجية‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬بعد‭ ‬تدخل‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬لإسقاط‭ ‬نظام‭ ‬حليف‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬ومن‭ ‬ثمة‭ ‬شكلت‭ ‬الساحة‭ ‬السورية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لموسكو‭ ‬خطا‭ ‬أحمر‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬السماح‭ ‬بتجاوزه‭.‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لأنقرة‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬من‭ "‬الانتحار‭ ‬الاستراتيجي‭" ‬عدم‭ ‬الإمساك‭ ‬بالأوراق‭ ‬في‭ ‬تطورات‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬تتقاسم‭ ‬معه‭ ‬حدودا‭ ‬طويلة‭ ‬وملفات‭ ‬نزاع‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحمل‭ ‬فتحها‭ ‬مجددا‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬موازين‭ ‬قوى‭ ‬جديدة‭ ‬غير‭ ‬ملائمة‭ ‬لتركيا‭ ‬مفاجآت‭ ‬غير‭ ‬سارة‭ ‬للأتراك‭ (‬ملف‭ ‬الأكراد‭ ‬والمياه‭ ‬وحتى‭ ‬ملف‭ ‬لواء‭ ‬اسكندرون‭ ‬الذي‭ ‬ظلت‭ ‬دمشق‭ ‬تثيره‭ ‬ولو‭ ‬عبر‭ ‬الإعلام‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬توتر‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬الجار‭).‬

في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬المعطيات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ ‬مواجهة‭ ‬بين‭ ‬أنقرة‭ ‬وموسكو،‭ ‬مواجهة‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬المكاسب‭ ‬والخسائر‭ ‬الممكنة‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬السورية‭.‬

وقد‭ ‬وصل‭ ‬مستوى‭ ‬حضور‭ ‬الطرفين‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬السلم‭ ‬والحرب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬أصبحا‭ ‬رهينين‭ ‬بتفاهم‭ ‬أو‭ ‬خلاف‭ ‬روسي‭ ‬تركي،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ارتهانهما‭ ‬بمواقف‭ ‬الأطراف‭ ‬المحلية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬مواقف‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تورطت‭ ‬بهذا‭ ‬القدر‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬في‭ ‬الأزمة‭ ‬السورية‭. ‬

وبالقدر‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬فيه‭ ‬سوريا‭ ‬ساحة‭ ‬المواجهة‭ ‬الأبرز‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬فإنه‭ ‬يمكن‭ ‬القول،‭ ‬وهذه‭ ‬من‭ ‬مفارقات‭ ‬لعبة‭ ‬المصالح،‭ ‬إن‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬كانت‭ ‬أيضا‭ ‬نقطة‭ ‬انطلاق‭ ‬تقارب‭ ‬أكبر‭ ‬بينهما‭. ‬إنه‭ ‬تقارب‭ ‬اضطراري‭.‬

فقد‭ ‬شعرت‭ ‬تركيا‭ ‬بخذلان‭ ‬حلفائها‭ ‬الغربيين‭ ‬عقب‭ ‬التدخل‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬فيما‭ ‬لاحت‭ ‬لموسكو‭ ‬فرصة‭ ‬لاستمالة‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬عسكري‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬عن‭ ‬التمدد‭ ‬منذ‭ ‬انهيار‭ ‬جدار‭ ‬بريلن‭.‬

هذا‭ ‬التقارب‭ ‬سيمهد‭ ‬الطريق‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬تفاهمات‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬شائكة‭ ‬أخرى‭ ‬منها‭ ‬الازمة‭ ‬الليبية‭ ‬وخصوصا‭ ‬ملف‭ ‬صراع‭ ‬النفوذ‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬القوقاز‭ ‬وآسيا‭ ‬الوسطى‭.‬

ففي‭ ‬ليبيا‭ ‬تطورت‭ ‬الأحداث‭ ‬بشكل‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬أنقرة‭ ‬وموسكو‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬مفتاح‭ ‬التهدئة‭ ‬الميدانية‭ ‬بالنظر‭ ‬لمستوى‭ ‬انخراطهما‭ ‬العسكري‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬مباشرا‭ (‬عبر‭ ‬خبراء‭ ‬عسكريين‭ ‬وتسليح‭ ‬قوات‭ ‬حكومة‭ ‬طرابلس‭ ‬بالنسبة‭ ‬لتركيا‭) ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ (‬عبر‭ ‬قوات‭ ‬الفاغنر‭ ‬الداعمة‭ ‬لقوات‭ ‬الجنرال‭ ‬المتقاعد‭ ‬خليفة‭ ‬حفتر‭).‬

فرغم‭ ‬أن‭ ‬باريس‭ ‬استثمرت‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬تدريب‭ ‬وتسليح‭ ‬قوات‭ ‬شرق‭ ‬ليبيا‭ (‬انكشف‭ ‬التورط‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬النزاع‭ ‬بالخصوص‭ ‬عند‭ ‬سقوط‭ ‬طائرة‭ ‬مروحية‭ ‬فرنسية‭ ‬ومقتل‭ ‬ثلاثة‭ ‬جنود‭ ‬فرنسيين‭ ‬في‭ ‬بنغازي‭ ‬سنة‭ ‬2016‭)‬،‭ ‬وبالرغم‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬المصري‭ (‬ومن‭ ‬خلفه‭ ‬الدعم‭ ‬الخليجي‭) ‬المباشر‭ ‬والمعلن‭ ‬لهذه‭ ‬القوات،‭ ‬فإن‭ ‬العنوان‭ ‬الأبرز‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬حفتر‭ ‬أو‭ ‬لدفعه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬تبقى‭ ‬موسكو‭. ‬ولأن‭ ‬الأطراف‭ ‬الليبية‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬غرب‭ ‬البلاد‭ ‬وخصوصا‭ ‬العاصمة‭ ‬طرابلس،‭ ‬تراهن‭ ‬بالأساس‭ ‬على‭ ‬تحالفها‭ ‬العسكري‭ ‬والسياسي‭ ‬الشامل‭ ‬مع‭ ‬أنقرة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬مواقعها‭ ‬في‭ ‬الأزمة‭ ‬الليبية،‭ ‬سلما‭ ‬وحربا،‭ ‬فإن‭ ‬تركيا‭ ‬أضحت‭ ‬المخاطب‭ ‬الرئيس‭ ‬لخصومهم‭ ‬وللوسطاء‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭.‬

ومع‭ ‬أن‭ ‬أحداث‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬حولت‭ ‬ساحات‭ ‬عربية‭ ‬عديدة‭ ‬إلى‭ ‬مسرح‭ ‬مواجهة‭ ‬بين‭ ‬موسكو‭ ‬وأنقرة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المجال‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الحيوي‭ ‬الأول‭ ‬للجانبين‭ ‬يظل‭ ‬هو‭ ‬منطقة‭ ‬القوقاز‭ ‬وآسيا‭ ‬الوسطى‭. ‬

وقد‭ ‬برز‭ ‬الاشتباك‭ ‬الروسي‭ ‬التركي‭ ‬بالخصوص‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬كاراباخ‭ ‬التي‭ ‬تجددت‭ ‬في‭ ‬خريف‭ ‬2020‭ ‬بين‭ ‬أذريبيجان‭ (‬المدعومة‭ ‬تركيا‭) ‬وأرمينيا‭ ‬المدعومة‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ (‬ومن‭ ‬أوروبا‭ ‬وخصوصا‭ ‬باريس‭)‬،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬الدعم‭ ‬التركي‭ ‬حاسما‭ ‬في‭ ‬ضمان‭ ‬التفوق‭ ‬الأذري‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المواجهة‭ ‬فإن‭ ‬التدخل‭ ‬الروسي‭ ‬كان‭ ‬حاسما‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬وقف‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬أرمينيا‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬تفاهمات‭ ‬تلعب‭ ‬فيها‭ ‬تركيا‭ ‬وروسيا‭ ‬دورا‭ ‬مباشرا‭.‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬أنقرة‭ ‬قد‭ ‬حققت‭ ‬مكاسب‭ ‬في‭ ‬الأزمة‭ ‬بين‭ ‬أذربيجان‭ ‬وأرمينيا‭ ‬فإن‭ ‬موسكو‭ ‬سترسم‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬خطا‭ ‬أحمر‭ ‬للتدخل‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬حيث‭ ‬سيضع‭ ‬تدخل‭ ‬قوات‭ ‬روسية‭ (‬وليس‭ ‬تركية‭)‬،‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬منظمة‭ ‬معاهدة‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي،‭ ‬حدا‭ ‬لموجة‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬كازاخستان‭ ‬مؤخرا‭.‬

ويكتسي‭ ‬هذا‭ ‬التحرك‭ ‬الروسي‭ ‬أهميته،‭ ‬باعتباره‭ ‬حال‭ ‬دون‭ ‬تحول‭ ‬كازاخستان‭ ‬إلى‭ ‬أوكرانيا‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ورفع‭ ‬بطاقة‭ ‬حمراء‭ ‬أمام‭ ‬أي‭ ‬تدخل‭ ‬تركي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬العضو‭ ‬في‭ "‬منظمة‭ ‬الدول‭ ‬التركية‭".‬

يذكر‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تسمى‭ ‬سابقا‭ "‬المجلس‭ ‬التركي‭" ‬تأسست‭ ‬بمبادرة‭ ‬من‭ ‬تركيا‭ ‬سنة‭ ‬2009‭ ‬وتضم‭ ‬الدول‭ ‬الناطقة‭ ‬بالتركية‭ ‬وهي‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تركيا‭ ‬وكازاخستان،‭ ‬أذربيجان‭ ‬و‭ ‬وقرغيزيا‭ ‬وأوزبكستان‭ (‬تحضر‭ ‬فيه‭ ‬المجر‭ ‬بصفة‭ ‬مراقب‭). ‬

لقد‭ ‬رسمت‭ ‬موسكو‭ ‬بتدخلها‭ ‬الحاسم‭ ‬في‭ ‬كازاخستان‭ ‬حدودا‭ ‬للنفوذ‭ ‬التركي،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬سبق‭ ‬لأنقرة‭ ‬أن‭ ‬وضعت‭ ‬حدودا‭ ‬مماثلة‭ ‬في‭ ‬أذريبيجان‭.‬

ويجد‭ ‬نجاح‭ ‬الجانبين‭ ‬في‭ ‬التوصل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ملف‭ ‬إلى‭ ‬توازن‭ ‬مصالح‭ ‬أساسه‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬المصالح‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬بينهما‭.‬

وأبرز‭ ‬مشاريع‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬خط‭ ‬الأنابيب‭ ‬الذي‭ ‬ينقل‭ ‬الغاز‭ ‬الروسي‭ ‬إلى‭ ‬تركيا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينقله‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لاحق‭. ‬ففي‭ ‬مطلع‭ ‬السنة‭ ‬الماضية‭ ‬حرص‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان‭ ‬والرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يشرفا‭ ‬على‭ ‬تدشين‭ ‬خط‭ ‬الأنابيب،‭ ‬ومن‭ ‬ثمة‭ ‬على‭ ‬بعث‭ ‬رسائل‭ ‬إلى‭ ‬جهات‭ ‬كثيرة‭ ‬بخصوص‭ ‬حجم‭ ‬التقارب‭ ‬بين‭ ‬الدولتين‭ ‬و‭ ‬آفاق‭ ‬الشراكة‭ ‬الممكنة‭ ‬بينهما‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬اللافت‭ ‬أن‭ ‬يذهب‭ ‬أردوغان‭ ‬خلال‭ ‬حفل‭ ‬تدشين‭ ‬الخط‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬نقل‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬31‭.‬5‭ ‬مليار‭ ‬متر‭ ‬مكعب‭ ‬من‭ ‬الغاز‭ ‬الروسي‭ ‬سنوياً،‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬وصف‭ "‬الحدث‭ ‬التاريخي‭". ‬وسيضيف‭ ‬إردوغان‭ ‬بالخصوص‭ ‬أنه‭ "‬مع‭ ‬روسيا،‭ ‬لم‭ ‬ندع‭ ‬خلافاتنا‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬تضر‭ ‬بمصالحنا‭ ‬المشتركة‭".‬‭ ‬

أما‭ ‬بوتين‭ ‬فأكد‭ ‬أن‭ ‬الشراكة‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وتركيا‭ ‬تتعزز‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭ "‬رغم‭ ‬جهود‭ ‬من‭ ‬يعارضونها‭"‬،‭ ‬والرسالة‭ ‬هنا‭ ‬موجهة‭ ‬للأوروبيين،‭ ‬المرتهنين‭ ‬لحد‭ ‬الساعة‭ ‬للغاز‭ ‬الروسي‭ ‬العابر‭ ‬عبر‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬والأمريكيين،‭ ‬قادة‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬اكتمال‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬يرمز‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬البلدين‭ ‬قد‭ ‬تجاوزا‭ ‬تداعيات‭ ‬الأزمة‭ ‬التي‭ ‬نجمت‭ ‬عن‭ ‬إسقاط‭ ‬مقاتلة‭ ‬روسية‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬السورية‭ ‬التركية‭ ‬في‭ ‬نونبر‭ ‬2015‭ ‬والتي‭ ‬تباينت‭ ‬روايتا‭ ‬البلدين‭ ‬حول‭ ‬مدى‭ ‬تطبيق‭ ‬قواعد‭ ‬الاشتباك‭ ‬خلالها‭.‬

أما‭ ‬العنوان‭ ‬الثاني‭ ‬الأبرز‭ ‬لحجم‭ ‬الشراكة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬عبر‭ ‬جبال‭ ‬الأورال‭ ‬فهو‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬محطة‭ ‬طاقة‭ ‬نووية‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مؤسسة‭ ‬روسية،‭ ‬إذ‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬تدشين‭ ‬وحدة‭ ‬الطاقة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬محطة‭ ‬الطاقة‭ ‬الكهرونووية‭ "‬أكويو‭" ‬السنة‭ ‬المقبلة‭.‬

وكانت‭ ‬حكومتا‭ ‬البلدين‭ ‬قد‭ ‬وقعتا‭ ‬اتفاقا‭ ‬في‭ ‬ماي‭ ‬2010،‭ ‬لبناء‭ ‬محطة‭ ‬نووية‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬أربع‭ ‬وحدات‭ ‬طاقة‭ ‬بقدرة‭ ‬إجمالية‭ ‬تبلغ‭ ‬4‭.‬8‭ ‬ألف‭ ‬ميغاواط‭.‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬شهية‭ ‬الروس‭ ‬قد‭ ‬زادت‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬صفقات‭ ‬نووية‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الأناضول‭. ‬فقد‭ ‬أعلنت‭ ‬المؤسسة‭ ‬الحكومية‭ ‬الروسية‭ ‬للطاقة‭ ‬النووية‭ "‬روساتوم‭"‬،‭ ‬عن‭ ‬رغبتها‭ ‬في‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬بناء‭ ‬محطات‭ ‬طاقة‭ ‬نووية‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬تركيا‭.‬

وقال‭ ‬مدير‭ ‬عام‭ "‬روساتوم‭" ‬أليكسي‭ ‬ليخاتشيف،‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬مؤتمر‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للمناخ‭ "‬كوب‭ ‬26‭" ‬بغلاسكو‭ ‬الاسكتلندية‭ ‬إن‭ "‬تركيا‭ ‬تمتلك‭ ‬اقتصادا‭ ‬كبيرا‭ ‬ومتناميا،‭ ‬ومن‭ ‬المنطقي‭ ‬جدا‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬محطات‭ ‬الطاقة‭ ‬النووية‭".‬

لكن‭ ‬الشراكة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الروسية‭ ‬والتركية‭ ‬تقوم‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬قطاعات‭ ‬أقل‭ ‬بروزا‭ ‬في‭ ‬نشرات‭ ‬الأخبار‭. ‬فقد‭ ‬بلغ‭ ‬حجم‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬في‭ ‬2019‭ ‬نحو‭ ‬25‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭.‬

وبالنسبة‭ ‬لتركيا‭ ‬حيث‭ ‬يشكل‭ ‬القطاع‭ ‬السياحي‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬مصادر‭ ‬الدخل،‭ ‬فإن‭ ‬السوق‭ ‬الروسية‭ ‬تعد‭ ‬ركيزة‭ ‬يمكن‭ ‬الاعتماد‭ ‬عليها‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬أزمة‭ ‬عالمية‭ ‬كتلك‭ ‬التي‭ ‬سببها‭ ‬ويسببها‭ ‬انتشار‭ ‬كوفيد‭- ‬19‭.‬

وكان‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬أن‭ ‬يعرب‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المناسبات‭ ‬عن‭ ‬امتنانه‭ ‬للروس‭ ‬الذين‭ ‬زاروا‭ ‬تركيا‭ ‬خلال‭ ‬الجائحة‭. ‬وبالفعل‭ ‬ووفق‭ ‬معطيات‭ ‬تركية،‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬السياح‭ ‬الروس،‭ ‬الذين‭ ‬زاروا‭ ‬تركيا‭ ‬في‭ ‬2019‭ ‬نحو‭ ‬7‭ ‬ملايين‭ ‬سائح‭ ‬حيث‭ ‬تصدروا‭ ‬قائمة‭ ‬السياح‭ ‬الأجانب،‭ ‬يليهم‭ ‬الألمان‭ ‬والبريطانيون‭.‬

 

تركيا‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭.. ‬من‭ ‬يدفع‭ ‬فاتورة‭ ‬الجفاء؟

 

في‭ ‬ملف‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬تركيا،‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬وضع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬عن‭ ‬موقفه‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬أخرى‭ ‬حيث‭ ‬تتباين‭ ‬مواقف‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭. ‬فأوروبا‭ ‬منقسمة‭ ‬في‭ ‬ملف‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬الأتراك‭ ‬بين‭ ‬موقف‭ ‬فرنسي‭ ‬كان‭ ‬الأكثر‭ ‬تحمسا‭ ‬لإبقاء‭ ‬تركيا‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وموقف‭ ‬ألماني‭ ‬يأمل‭ ‬في‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬روابط‭ ‬قوية‭ ‬مع‭ ‬تركيا‭ ‬ضمن‭ ‬سياسة‭ ‬المانية‭ ‬أوسع‭ ‬تفضل‭ ‬عموما‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الشرق‭ ‬وتسعى‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬ليس‭ ‬أقلها‭ ‬منع‭ ‬تدفق‭ ‬كبير‭ ‬للمهاجرين‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬القارة‭ ‬العجوز‭ ‬تدفع‭ ‬برلين‭ ‬دائما‭ ‬فاتورتها‭ ‬الأكبر‭.‬

ففي‭ ‬23‭ ‬نونبر‭ ‬2016‭ ‬صوت‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوروبي‭ ‬لصالح‭ ‬قرار‭ ‬غير‭ ‬ملزم‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬تعليق‭ ‬مفاوضات‭ ‬انضمام‭ ‬تركيا‭ ‬إلى‭ ‬عضوية‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬لكن‭ ‬قبل‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬وبعده‭ ‬أيضا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬المراقبين‭ ‬من‭ ‬يعتقد‭ ‬بإمكانية‭ ‬أن‭ ‬تتوج‭ ‬المفاوضات‭ ‬بانضمام‭ ‬أنقرة‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬القناعة‭ ‬نفسها‭ ‬ترسخت‭ ‬لدى‭ ‬المسؤولين‭ ‬الأتراك‭ ‬سنوات‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اتضح‭ ‬مع‭ ‬وصول‭ ‬نيكولا‭ ‬ساركوزي‭ ‬إلى‭ ‬الرئاسة‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬سنة‭ ‬2007‭ (‬سنتين‭ ‬بعد‭ ‬الانطلاق‭ ‬الفعلي‭ ‬لمفاوضات‭ ‬الإنضمام‭) ‬أن‭ ‬باريس‭ ‬لن‭ ‬تقبل‭ ‬بتركيا‭ ‬عضوا‭ ‬في‭ ‬اتحاد‭ ‬تتخذ‭ ‬قراراته‭ ‬بالإجماع‭.‬

ويمكن‭ ‬إجمال‭ ‬اللعبة‭ ‬التي‭ ‬تجري‭ ‬حاليا‭ ‬بين‭ ‬أنقرة‭ ‬وبروكسيل،‭ ‬في‭ ‬سعي‭ ‬الأتراك‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يدفع‭ ‬الأوروبيون‭ ‬والفرنسيون‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬فاتورة‭ ‬باهظة‭ ‬نظير‭ ‬إغلاق‭ ‬أبواب‭ ‬النادي‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬وجههم،‭ ‬فيما‭ ‬تسعى‭ ‬باريس‭ ‬بالخصوص‭ ‬إلى‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الأتراك‭ ‬عبر‭ ‬حشد‭ ‬الدعم‭ ‬العسكري‭ ‬والدبلوماسي‭ ‬الأوروبي‭ ‬لليونان‭ ‬العضو‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬والعدو‭ ‬اللدود‭ ‬لتركيا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تكرس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قيادة‭ ‬فرنسا‭ ‬لحلف‭ ‬مناهض‭ ‬للأتراك‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬المتوسط‭ (‬عقد‭ ‬وزراء‭ ‬خارجية‭ ‬مصر‭ ‬واليونان‭ ‬وقبرص‭ ‬وفرنسا‭ ‬اجتماعا‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬في‭ ‬ماي‭ ‬2020‭ ‬انضم‭ ‬إليه‭ ‬نظيرهم‭ ‬الإماراتي‭ ‬وتمخض‭ ‬عن‭ ‬بيان‭ ‬شديد‭ ‬اللهجة‭ ‬ضد‭ ‬تركيا‭).‬

وفي‭ ‬لعبة‭ ‬تكسير‭ ‬العظام‭ ‬هذه‭ ‬لم‭ ‬تتورع‭ ‬أنقرة‭ ‬عن‭ ‬الدفع‭ ‬بكل‭ ‬أوراقها،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬ثم‭ ‬ليبيا‭ ‬حيث‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬تحجيم‭ ‬الدور‭ ‬الفرنسي‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬اعتبرت‭ ‬بمثابة‭ ‬منطقة‭ ‬نفوذ‭ ‬خالصة‭ ‬لباريس‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬في‭ ‬مالي‭ ‬حيث‭ ‬سعت‭ ‬أنقرة‭ ‬إلى‭ ‬إيجاد‭ ‬موطئ‭ ‬قدم‭. ‬

كما‭ ‬أن‭ ‬البضائع‭ ‬والعلامات‭ ‬التجارية‭ ‬التركية،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الأسلحة،‭ ‬أصبحت‭ ‬تنافس‭ ‬نظيراتها‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬أسواق‭ ‬كانت‭ ‬شبه‭ ‬محتكرة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المستعمر‭ ‬الأوروبي‭ ‬السابق،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭.‬

وتبقى‭ ‬الورقة‭ ‬القابلة‭ ‬للاستخدام‭ ‬بشكل‭ ‬آني‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬أوروبا‭ ‬هي‭ ‬ورقة‭ ‬الهجرة‭ ‬حيث‭ ‬يثير‭ ‬مجرد‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬السماح‭ ‬بعبور‭ ‬المهاجرين‭ ‬عبر‭ ‬الحدود‭ ‬التركية،‭ ‬قلق‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬العواصم‭ ‬الأوروبية‭.‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬المحللين‭ ‬السياسيين‭ ‬والمسؤولين‭ ‬الأوروبيين‭ ‬استشعروا‭ ‬بالفعل‭ ‬حجم‭ ‬الخسائر‭ ‬الأوروبية‭ ‬الناجمة‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تنجم‭ ‬عن‭ ‬قطيعة‭ ‬نهائية‭ ‬مع‭ ‬تركيا‭.‬

فقد‭ ‬قال‭ ‬رئيس‭ ‬المفوضية‭ ‬الأوروبية‭ ‬جان‭ ‬كلود‭ ‬يونكر‭ ‬سنة‭ ‬2016‭ ‬في‭ ‬مقابلة‭ ‬تلفزيونية‭ "‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن،‭ ‬إذا‭ ‬أعطي‭ ‬الانطباع‭ ‬لتركيا‭ ‬بأن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬غير‭ ‬مستعد‭ ‬للقبول‭ ‬بها‭ ‬داخله،‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬الوضع،‭ ‬فسيكون‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬خطأ‭ ‬كبيرا‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭".‬

وأضاف‭ "‬لا‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬سيكون‭ ‬مفيدا‭ ‬إذا‭ ‬أبلغنا‭ ‬تركيا‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬واحد‭ ‬أن‭ ‬المفاوضات‭ ‬انتهت‭".‬

أما‭ ‬الصحافية‭ ‬المخضرمة‭ ‬سيلفي‭ ‬كوفمان‭ ‬فذهبت‭ ‬في‭ ‬عمودها‭ ‬بصحيفة‭ ‬لوموند‭ ‬بتاريخ‭ ‬8‭ ‬يوليوز2020‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬التساؤل‭ ‬عن‭ "‬من‭ ‬خسر‭ ‬تركيا؟‭" ‬في‭ ‬استرجاع‭ ‬للسؤال‭ ‬الذي‭ ‬طرح‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬سقوط‭ ‬جدار‭ ‬برلين‭ ‬عن‭ ‬المتسبب‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬روسيا‭ ‬إلى‭ ‬المواجهة‭ ‬مع‭ ‬الغرب‭ ‬عوض‭ "‬الانضمام‭" ‬إليه‭.‬

وخلاصة‭ ‬تحليل‭ ‬سيلفي‭ ‬كوفمان‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬الأوروبيين‭ ‬والغرب‭ ‬عموما‭ ‬قد‭ ‬يدفعون‭ ‬ثمنا‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬صد‭ ‬تركيا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الثمن‭ ‬الذي‭ ‬يدفعونه‭ ‬بسبب‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفياتي،‭ ‬خصما‭. ‬

إعادة‭ ‬التموقع‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬لتأمين‭ ‬المكاسب‭ ‬وتقليص‭ ‬الخسائر

 

مع‭ ‬وصول‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ظهرت‭ ‬مؤشرات‭ ‬على‭ ‬سعي‭ ‬أمريكي‭ ‬جديد‭ ‬لخفض‭ ‬حدة‭ ‬التوتر‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭ (‬وأبرزها‭ ‬تشجيع‭ ‬مصالحة‭ ‬خليجية‭) ‬قصد‭ ‬التركيز‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬على‭ ‬ملف‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬الصين‭. ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الأجواء‭ ‬بدأت‭ ‬أنقرة‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬خطابها‭ ‬تجاه‭ ‬الحلفاء‭ ‬والشركاء،‭ ‬وحتى‭ ‬خصوم‭ ‬العشرية‭ ‬السابقة،‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬مسعى‭ ‬لتأمين‭ ‬مكتسبات‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬وصفه‭ ‬بمرحلة‭ "‬المد‭ ‬الاستراتيجي‭"‬،‭ ‬وتقليل‭ ‬خسائر‭ ‬المواجهة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬ساحات‭ ‬التحرك،‭ ‬وبعضها‭ ‬يكتسي‭ ‬خطورة‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬بالنسبة‭ ‬للانخفاض‭ ‬الحاد‭ ‬لقيمة‭ ‬العملة‭ ‬المحلية،‭ ‬والذي‭ ‬تذهب‭ ‬بعض‭ ‬التحليلات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬أحد‭ ‬فصول‭ ‬الحرب‭ ‬مع‭ ‬الخصوم‭.‬

فعلى‭ ‬صعيد‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬الحليف‭ ‬الأمريكي‭ ‬سيلتقي‭ ‬الرئيسان‭ ‬التركي‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان،‭ ‬والأمريكي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الإيطالية‭ ‬روما،‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬قمة‭ ‬قادة‭ ‬دول‭ ‬مجموعة‭ ‬العشرين‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي‭ ‬وهو‭ ‬اللقاء‭ ‬الذي‭ ‬تضاربت‭ ‬الأنباء‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬موعده‭ ‬حول‭ ‬عقده‭ ‬من‭ ‬عدمه‭.‬

ومع‭ ‬أن‭ ‬الطرفين،‭ ‬ووفق‭ ‬تصريحاتهما،‭ ‬طرحا‭ ‬قضايا‭ ‬خلافية‭ ‬خلال‭ ‬المباحثات،‭ ‬كتسليح‭ ‬الأكراد‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬والذي‭ ‬يثير‭ ‬قلق‭ ‬أنقرة‭ ‬وصفقة‭ ‬منظومة‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬السورية‭ ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬واشنطن‭ ‬راغبة‭ ‬في‭ ‬إجهاضها‭ ‬أوإجهاض‭ ‬نشرها‭ ‬و‭ ‬صفقة‭ ‬مقاتلات‭ ‬إف‭- ‬16‭ ‬المجمدة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬اللقاء‭ ‬شكل‭ ‬في‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬مناسبة‭ ‬ليؤكد‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬تمسكه‭ ‬بالتحالف‭ ‬مع‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬أسابيع‭ ‬قليلة‭ ‬على‭ ‬تنسيق‭ ‬عملياتي‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬لتأمين‭ ‬الانسحاب‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭.‬

وقد‭ ‬لخص‭ ‬بايدن‭ ‬حصيلة‭ ‬اللقاء‭ ‬بالتأكيد‭ ‬على‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ "‬علاقات‭ ‬بناءة‭ ‬وتوسيع‭ ‬مجالات‭ ‬التعاون‭ ‬وإدارة‭ ‬الخلافات‭ ‬بشكل‭ ‬فعال‭" ‬مع‭ ‬تركيا‭.‬

كما‭ ‬أعاد‭ ‬بايدن‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ "‬الشراكة‭ ‬الدفاعية،‭ ‬وأهمية‭ ‬تركيا‭ ‬كحليف‭ ‬في‭ ‬الناتو‭"‬،‭ ‬وأشار‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬إلى‭ "‬مخاوف‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بشأن‭ ‬امتلاك‭ ‬تركيا‭ ‬لنظام‭ ‬الصواريخ‭ ‬الروسي‭ ‬إس‭- ‬400‭"‬

على‭ ‬الواجهة‭ ‬الأوروبية‭ ‬سيبعث‭ ‬أردوغان‭ ‬نفسه‭ ‬بأولى‭ ‬إشارات‭ ‬التهدئة‭ ‬اتجاه‭ ‬أوروبا،‭ ‬وذلك‭ ‬خلال‭ ‬استقباله‭ ‬لسفراء‭ ‬بلدان‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2021‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ "‬إننا‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لإعادة‭ ‬قطار‭ ‬العلاقات‭ ‬التركية‭ ‬الأوروبية‭ ‬إلى‭ ‬سكته‭ "‬معبرا‭ ‬عن‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يعبر‭ "‬أصدقاؤنا‭ ‬الأوروبيين‭" ‬عن‭ ‬الاستعداد‭ ‬نفسه‭. ‬

وفي‭ ‬يونيو‭ ‬2021‭ ‬ستجري‭ ‬مباحثات‭ ‬ثنائية‭ ‬بين‭ ‬الرئيسين‭ ‬التركي‭ ‬طيب‭ ‬رجب‭ ‬أردوغان‭ ‬والفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬قمة‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭.‬

وتحدثت‭ ‬الرئاسة‭ ‬الفرنسية‭ ‬عقب‭ ‬اللقاء،‭ ‬عن‭ ‬رغبة‭ ‬ماكرون‭ ‬في‭ ‬إضفاء‭ ‬الوضوح‭ ‬على‭ ‬العلاقة‭ "‬بين‭ ‬الحلفاء‭". ‬وحسب‭ ‬الإليزيه‭ ‬فإن‭ ‬قائدي‭ ‬البلدين‭ ‬عبرا‭ ‬عن‭ ‬رغبتهما‭ ‬في‭ "‬السير‭ ‬قدما‭".‬

وكان‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬قد‭ ‬تراجع‭ ‬عن‭ ‬تنفيذ‭ ‬قرار‭ ‬أعلنه‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2021‭ ‬ويقضي‭ ‬بطرد‭ ‬سفراء‭ ‬عشر‭ ‬دول‭ ‬غربية،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬بعد‭ ‬إصدارها‭ ‬بيانا‭ ‬طالب‭ ‬بالإفراج‭ ‬عن‭ ‬رجل‭ ‬الأعمال‭ ‬عثمان‭ ‬كافالا‭.‬

وعلى‭ ‬الصعيد‭ ‬الإقليمي‭ ‬ستبدأ‭ ‬بوادر‭ ‬تهدئة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬تركيا‭ ‬ومصر،‭ ‬وهي‭ ‬تهدئة‭ ‬تبدو‭ ‬كامتداد‭ ‬لمصالحة‭ ‬خليجية‭. ‬فقد‭ ‬تحدثت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬عن‭ ‬اتصالات‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاستخباراتي‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬وتركيا‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬2020‭ ‬وهي‭ ‬الاتصالات‭ ‬التي‭ ‬تكثفت‭ ‬خلال‭ ‬2021‭.‬

وكان‭ ‬من‭ ‬اللافت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬مطالبة‭ ‬السلطات‭ ‬التركية‭ ‬للقنوات‭ ‬المصرية‭ ‬المعارضة‭ ‬والتي‭ ‬تبث‭ ‬من‭ ‬تركيا‭ ‬بالتخفيف‭ ‬من‭ ‬لهجتها‭ ‬اتجاه‭ ‬النظام‭ ‬المصري‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تمخض‭ ‬عن‭ ‬إلغاء‭ ‬برامج‭ ‬شهيرة‭ ‬من‭ ‬خارطة‭ ‬برامج‭ ‬أكثر‭ ‬هذه‭ ‬القنوات‭ ‬انتشارا‭.‬

كما‭ ‬سجل‭ ‬المراقبون‭ ‬حرصا‭ ‬مصريا‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬النأي‭ ‬بالقاهرة‭ ‬عن‭ ‬ملف‭ ‬النزاع‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬المتوسط‭ ‬بين‭ ‬اليونان‭ ‬وتركيا،‭ ‬وخصوصا‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بترسيم‭ ‬حدود‭ ‬المناطق‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والنزاع‭ ‬حول‭ ‬الغاز‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭.‬

وبالموازاة‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬ظهر‭ ‬تقارب‭ ‬نسبي‭ ‬بين‭ ‬أنقرة‭ ‬والرياض‭ ‬قد‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬للتعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬فيما‭ ‬تروج‭ ‬بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى‭ ‬أنباء‭ ‬عن‭ ‬اتصالات‭ ‬تركية‭ ‬إماراتية‭ ‬أيضا‭. ‬

العلاقات‭ ‬التركية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬أيضا‭ ‬تبدو‭ ‬مرشحة‭ ‬لتشهد‭ ‬تحسنا‭ ‬بمناسبة‭ ‬الزيارة‭ ‬التي‭ ‬ينتظر‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬الرئيس‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬إسحاق‭ ‬هرتسوغ‭ ‬إلى‭ ‬تركيا‭ ‬منتصف‭ ‬مارس‭ ‬المقبل‭.‬

وقد‭ ‬علق‭ ‬أردوغان‭ ‬وهو‭ ‬يؤكد‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬فبراير‭ ‬2022‭ ‬الأخبار‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة،‭ ‬بالقول‭ "‬بهذه‭ ‬الزيارة‭ ‬سنسعى‭ ‬لوضع‭ ‬علاقاتنا‭ ‬الثنائية‭ ‬على‭ ‬أرضية‭ ‬أكثر‭ ‬إيجابية‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭".‬

وأضاف‭ "‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬الذي‭ ‬نتبعه‭ ‬موجود‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭. ‬ربما‭ ‬نقوم‭ ‬بإرسال‭ ‬ممثلينا‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬قبيل‭ ‬زيارة‭ ‬هرتسوغ‭ ‬إلى‭ ‬تركيا‭ ‬كما‭ ‬فعلوا‭ ‬لتمهيد‭ ‬بدء‭ ‬المرحلة‭".‬

 

تركيا‭.. ‬براغماتية‭ ‬دولة‭ ‬

 

في‭ ‬25‭ ‬يناير‭ ‬الماضي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬عناوين‭ ‬صحيفة‭ "‬لوفيغارو‭" ‬الفرنسية‭ ‬عنوان‭ ‬يقول‭ "‬هل‭ ‬اقتربت‭ ‬نهاية‭ ‬المشوار‭ ‬بالنسبة‭ ‬لطيب‭ ‬رجب‭ ‬أردوغان؟‭"‬،‭ ‬وكأن‭ ‬الصحيفة‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬أمل‭ ‬فرنسي‭ ‬وأوروبي‭ ‬وغربي‭ ‬عموما‭ ‬في‭ ‬تغير‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬أنقرة‭ ‬مع‭ ‬وصول‭ ‬حكام‭ ‬جدد‭. ‬

ففي‭ ‬كل‭ ‬الأزمات‭ ‬التي‭ ‬جمعت‭ ‬تركيا‭ ‬بحلفاء‭ ‬أو‭ ‬بمنافسين‭ ‬وخصوم،‭ ‬كان‭ ‬التركيز‭ ‬الإعلامي‭ ‬على‭ ‬الرئيس‭ ‬طيب‭ ‬رجب‭ ‬أردوغان،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تطورات‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ملف‭ ‬إقليمي‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬الكلمة‭ ‬الفصل‭ ‬تكون‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬وذلك‭ ‬حتى‭ ‬تحت‭ ‬قيادة‭ ‬حزب‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية‭ ‬ذي‭ ‬التوجه‭ ‬الإسلامي،‭ ‬لمصالح‭ ‬الدولة‭ ‬التركية‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يتطلبه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬براغماتية‭ ‬وتأقلم‭ ‬مستمر‭ ‬مع‭ ‬متطلبات‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬الإقليمي‭ ‬وفي‭ ‬العالم‭. ‬إنها‭ ‬مصالح‭ ‬الدولة‭ ‬التركية‭ ‬التي‭ ‬أجهضت‭ ‬وبكل‭ ‬مكوناتها‭ ‬تقريبا‭ (‬الشعب‭ ‬والنخب‭ ‬السياسية‭ ‬والمؤسسات‭) ‬عملية‭ ‬الانقلاب‭ ‬ضد‭ ‬أردوغان‭ ‬سنة‬2016‭ ‭