تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

ايتو تاكاشي : المغرب مقبل على تحول هائل من خلال النموذج التنموي الجديد

Par
هشام الأزهري
الممثل المقيم للوكالة اليابانية للتعاون الدولي، ايتو تاكاشي © ومع
الممثل المقيم للوكالة اليابانية للتعاون الدولي، ايتو تاكاشي © ومع
قد يكون عدد المغاربة الذين احتكوا مباشرة باليابان، شعبا وحضارة، قليل، لكن عدد أكبر منهم عرف اليابان من خلال عنوان ٍواحد هو الوكالة اليابانية للتعاون الدولي(جايكا)، ذراع التعاون الدولي لحكومة طوكيو، والتي قادت مشاريع تنموية متفاوتة الحجم في العديد من مناطق المملكة. في هذا الحوار مع الممثل المقيم للوكالة بالمغرب نقف على آليات اشتغال الوكالة وحصيلة عملها.

BAB: بداية، هل بإمكانكم أن تضعونا في صورة اشتغال الوكالة اليابانية للتعاون الدولي “جايكا" في المغرب ومجالات عملها؟

ايتو تاكاشي: قبل الإجابة عن السؤال، أود التعبير عن شعوري بالسعادة الغامرة، والفخر الكبير بالاشتغال في المغرب في إطار تعزيز علاقات التعاون الياباني المغربي.
في الواقع وفي مرحلة شبابي، تحملت خلال فترة ما بين 1996 و 2000 مسؤولية ملحق بمكتب باريس مكلف بالملف المغاربي، وهو ما مكنني من الاطلاع أكثر على خصوصيات المغرب، حيث تشرفت بزيارة البلاد أكثر من عشرين مرة، الأمر الذي أكسبني معرفة كبيرة ومعمقة بهذا البلد.
ويمكنني القول إنه منذ تلك الفترة إلى اليوم، شهد المغرب تطورات هائلة في مختلف الميادين وعلى كل الاصعدة، ويكفي الاشارة في مجال النقل الى مشروع القطار فائق السرعة والذي يربط قطبي طنجة والدار البيضاء، ومشروع "الطرام" بالمدن الكبرى.
في تلك الفترة اشتغلنا كثيرا على مشاريع مرتبطة بتزويد المناطق القروية بالماء الصالح للشرب، وفي الوقت الحالي انتقلت معدلات التزويد بالماء والكهرباء، والتمدرس، تقريبا الى مائة في المائة، لكن ذلك لا يمنع من تسجيل بعض "الإشكالات الثانوية". فبالرغم من التطور الكبير الذي عرفته عملية تشجيع التلاميذ على التمدرس إلا أن مسألة الجودة في علاقة بمعدل الهدر المدرسي مطروحة، وأيضا يظل صبيب التزويد بالماء الصالح للشرب والكهرباء في بعض المناطق القروية ضعيفا نسبيا، لنستخلص أنه مع كامل الأسف لا تزال هناك فوارق في تقديم الخدمات بين المدن وبعض البوادي. وعلى هذا المستوى يتضح بأن هناك بعض الأمور التي يجب أن ننغمس في الاشتغال عليها أكثر.
في هذا السياق عدت إلى المغرب لكي أكرس كل شغفي وتجربتي وطاقتي من أجل تعزيز علاقات التعاون أكثر بين البلدين، اليابان والمغرب.
بالنسبة لنا في الوكالة اليابانية للتعاون الدولي "جايكا"، يطرح لدينا سؤال بالغ الأهمية. هناك العديد من السبل المتقاطعة مع مشاريع ومجهودات التنمية بالمغرب، ومنها الماء الصالح للشرب والتطهير السائل، فلماذا لا نفكر في المساهمة في مرحلة إنتاج المياه، لأن المغرب بلد شبه جاف وبالتالي سيظل تحدي المياه مطروحا باستمرار.
وأيضا مسألة الزراعة ومواكبة الفلاحين، فمشكلة الفلاحة في المغرب أولاً هي المياه لأن هناك الكثير من الأراضي الزراعية التي تعتمد على الأمطار الطبيعية.
بعد ذلك، يجب التفكير أكثر في دعم المزارعين لأنهم يعملون على الإنتاج، وبعد الإنتاج سيحاولون بيع محاصيلهم الزراعية، لكن من الممكن أن هذه المنتجات لا تلبي احتياجات السوق، لذلك علينا تغيير العقلية لتوجيه المزارعين لإنتاج المنتجات التي يزداد الطلب عليها في السوق.
هناك أيضا ملفا التعليم والصحة، واللذان يشكلان ركيزتين مهمتين لرأس المال البشري المبرمجين في إطار نموذج التنمية الذي نشتغل عليه، ولذلك فإن الصحة والتعليم مساران بالغا الأهمية لا يجب تجاهلها.
وبعد ذلك يأتي قطاع الصيد البحري الذي يشكل منجما وكنزاً. دعونا نعود إلى حقبة السبعينيات عندما دشنت الوكالة اليابانية للتعاون الدولي "جايكا" التعاون الأول في قطاع صيد الأسماك في المغرب، لقد قمنا بالكثير من الأشياء في الصيد الساحلي مثلا، لكننا في الآونة الأخيرة نشتغل أكثر على البحث والاستدامة، على سبيل المثال نشتغل اليوم على مشاريع تربية الأحياء المائية.
نعتقد داخل الوكالة اليابانية للتعاون الدولي "جايكا"، بأن هذه هي المحاور الرئيسية الممتدة في إطار التعاون الذي تقوده منظمتنا.

من خلال ما تفضلتم بجرده يتبين بأن الوكالة اليابانية للتعاون الدولي في المغرب، تساهم بشكل فعلي وفعال في العديد من القطاعات، في نظركم كيف يمكن أن تشارك “جايكا” بفاعلية في تنزيل النموذج التنموي الجديد؟

هناك العديد من الأمور التي يجب طرحها، هناك مسار تقوية رأس المال البشري، والذي يمر عبر التعليم والصحة، هناك بعض النقائص على مستوى هذين القطاعين، لذلك سنستمر في الاشتغال على هذا المسار، و نضمن استمرار التعاون الفني والتقني الذي دشناه مع وزارة التربية الوطنية.
كما أننا بصدد إقامة تعاون مالي في إطار مساعدات مالية لدعم مجموعة من الإصلاحات على مستوى التعليم، باختصار، على مستوى التعليم كنا حاضرين للغاية منذ عدة سنوات، وسنعزز هذا التواجد.
في مجال الصحة، كنا في وقت سابق حاضرين بقوة خصوصا في مجال صحة الأم والطفل، حتى العام 2015 وبفضل تعاوننا الوثيق مع وزارة الصحة ساهمنا في تحسن الصحة الإنجابية وفي تخفيض معدل الوفيات في صفوف النساء الحوامل، بفضل النظام الذي أدخلته الخدمة اليابانية "Mothers Class" (التي تهدف إلى المساهمة في تحسين الحالة الصحية للحوامل وحديثي الولادة والمواليد من خلال نهج تعليمي ووقائي).
وقتها لم يكن هناك مواكبة بشكل كاف للمرأة الحامل، ولكن بفضل تعاوننا حرصنا على التحضير للولادة ودعم المرأة الحامل وبالتالي تحسين صحة الأم بفضل نظام (قسم الأم).
لكن منذ العام 2015، توقف العمل بشكل مؤقت، لكننا نستعد لعودتنا الكبيرة إلى قطاع الصحة بعد تقييم المجال الصحي المناسب لهذه العودة.
هناك أمر آخر أود أن طرحه، له علاقة بالنموذج التنموي الجديد، الأمر يتعلق بنسبة النمو الاقتصادي، أي أن هذا النموذج يراهن على تحقيق نسبة 6٪ كمعدل نمو سنوي على مدى 15 عامًا وبطريقة مستدامة، وهي في كل الأحوال نسبة مهمة للغاية، لأن البلدان التي تحقق معدلات نمو اقتصادي مستدامة قليلة جدًا، لذلك أعتقد أن المغرب مقبل على التحول إلى مستوى أعلى بكثير، وهو ما يقتضي العمل أكثر على المزيد من تطوير البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية، أعتقد بأن هناك أجندة طموحة وراء تصور النموذج التنموي الجديد بالمغرب.
باختصار، سنشتغل على مسار تطوير وتثمين رأس المال البشري، وتدخلنا في تطوير البنية التحتية سيكون من أجل دعم التنمية الاقتصادية المستدامة على أعلى مستوى.

نقرأ في التقرير السنوي لـ“جايكا" الصادر عام 2019، بعض الأرقام المثيرة للانتباه، مجموع عمليات الإنفاق في التعاون التقني بالمغرب بلغ حوالي 40 مليون ين ياباني (حوالي 3 مليار درهم) وهو رقم مهم بالمقارنة مع دول اخرى عربية أو افريقية، بالنسبة لكم ما دلالات ذلك؟

المغرب بلد متميز، يتمتع باستقرار سياسي واجتماعي بشكل مستدام (عكس الوضع في بعض دول المنطقة) وهذا هو السبب الذي جعل الكثير من اليابانيين يثقون بالمغرب في مجال الاستثمارات اليابانية، على سبيل المثال لا الحصر تجربة مدينتي طنجة والقنيطرة في قطاع السيارات (سوميتومو ويازاكي). المغرب شريك أساسي لليابان. وهذا الرقم الذي تفضلتم بذكره يعكس بوضوح ثقة المستثمرين اليابانيين في قدرتهم على الاستثمار في المغرب.

ماذا عن المشاريع التي تخطط الوكالة اليابانية للتعاون الدولي “جايكا" في المغرب لانجازها سنة 2022؟

منذ سنتين ونحن نعمل مع وزارة التجهيز لتهيئة ميناء القنيطرة الاطلسي الذي سيساهم في تنمية منطقة الغرب والاقتصاد المحلي للجهة، لذلك فهذا هو المشروع الأول الذي سنواصل الاشتغال عليه، بالإضافة إلى ذلك، هناك إمكانية لتوفير مساعدة جديدة للموازنة من أجل دعم الإصلاحات المختلفة للحكومة المغربية.
على المدى المتوسط، سيتم مثلا توفير ميزانية سنوية تتراوح بين 300 و 500 مليون دولار ستخصص لدعم وتمويل أولويات الحكومة المغربية ابتداء من سنة 2022.